رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعلام الوطن.. الرسالة والتحدى


لقد باتت صناعة الإعلام وعبر رسائله المباشرة وغير المباشرة فى مجمل مضمونها ومحتواها فى معظم الأحيان قادرة على تشكيل قوة معنوية ضاغطة بنعومة وسلاسة سحرية، نظرًا لهائل سطوته عندما يوهم من يديرونه المتلقى بحرفية وبمقدرة على الاستمالة، والإقناع، والتنوع، وإلحاح التكرار، والجاذبية، والإبهار، والانفتاح، وإشباع حاجات المتلقى، بل وبقدرته على التغلغل فى حياته، ومواكبته الأحداث الجارية، ومؤخرًا تمكنه من تحقيق التفاعل مع المتلقى، سواء على المواقع الإلكترونية أو الاتصالات الهاتفية المباشرة مع مقدمى البرامج الفضائية.
ومعلوم أن هناك العديد من الحيل والألاعيب الإعلامية للتأثير على الرأى العام من خلال إيهام المتلقى بأن موقف المُرسل للمادة أو الخبر يمثل الرأى العام «القنوات الإخوانية مثالًا»، وقد يصف نفسه مثلًا بأنه يمثل فى تلك الفترة ما يطلق عليه «موقف تاريخى» أو «أنه يصادف حالة احتشاد جماهيرية داعمة»، أو من خلال اللجوء إلى التقاليد الاجتماعية، والادّعاء بأن الآراء الأخرى التى لا تتماهى أو تتوافق مع التقاليد المرعية المصرية المجتمعية، أو عبر تقديم خبرات قانونية اجتهادية على سبيل المثال، لتصبح ممارسات الآخر وأنشطته خروجًا على القانون.
ولعل من أزمات الإعلام الراهنة «وبشكل خاص المرئى» سيادة حالة من استهداف الربح فى العديد من المؤسسات مهما تدنت الوسائل والأشكال على حساب المضمون المتكامل المستهدف تقديم رسالة تنويرية وثقافية وتربوية ووطنية بمهنية عالية وتقنية زمن الحداثة بتكامل عناصر الرسالة المستكملة الأغراض، والتى تغطى احتياجات كل الفئات العمرية والاجتماعية، بما فيها الاحتياجات الترفيهية والخفيفة المسلية والمرضية لكل الأذواق.
وعليه، كان أمر التغافل وعدم الحرص على تقديم رسالة إعلامية تليق بالمواطن المصرى الذى نحلم بتسامى تطلعاته، وكان الاكتفاء بالسعى المحموم لتلبية رغبات البسطاء منا معرفيًا واجتماعيًا للتماهى مع الرغبات الفطرية والغريزية.
ولا تسألنى عزيزى القارئ: لماذا تسيدت الشاشات ليل ونهار برامج الطبيخ وأونطجية علاج السمنة وأوباش التداوى بالأوهام واستديوهات التحليل الاستراتيجى المعملى التكنولوجى للساحرة المستديرة وكل ما من شأنه مراضاة أهل السبوبة والظهور الإعلامى لتعبئة ساعات البث المتعبة المتكررة مع مذيعين يصرخون فى طبلة أذننا دون سبب طول الوقت لتغطية فقر معلومات وانعدام مهنية؟
كل الحكاية والمطلوب تحقيقه بعد تسليط الأضواء على التوافه وتأجيج الغرائز لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة ومشاركة هو تدفق الإعلانات التى تمثل مواردها شريان الحياة بالنسبة للرافد الإعلامى، كل هذا أثر على المحتوى الإعلامى فى ظاهرة يمكن أن يطلق عليها «التراجع الإعلامى». حيث أصبح الدور الدعائى لوسائل الإعلام أكبر من دورها التثقيفى والتنويرى، مع عجزها عن الوفاء بالمعايير المهنية اللازمة، وإدارتها لمصالح نخبة ضيقة، وعدم خضوعها إلى أى نمط من أنماط التنظيم الذاتى للإعلام أو الرقابة على الأداء، وضمان الجودة وغياب الرسالة الرصينة.. وكانت المحصلة تسطيح الرسالة من خلال تزايد وجود برامج ساذجة تافهة، لا تتعامل مع العقول والأدمغة بقدر مغازلة البطون والأرجل، والسياحة بهم فى دنيا الدجل والشعوذة وحلقات الإثارة الطائفية، وتقديم دنيا وإمبراطوريات السادة المليونيرات عبر إعلانات الاستفزاز لتقديم رسائل عكسية للإجهاز على أحلام الرئيس الرائعة الذى بادر منذ توليه حكم البلاد بمراضاة والتعاطف النبيل مع أهل العشوائيات وإخراجهم لدنيا وعالم يستحقونه عبر إنجازات رائعة، وكأن تلك الإعلانات الاستفزازية رسائل كيدية محبطة بتقديم عالم لم يكن يراه الناس سوى فى الأفلام وسينما الباشوات.
لقد قدم الإعلام المصرى نماذج رائعة فى إعداد وتقديم الاحتفاليات العالمية، مثل مؤتمرات الشباب الإفريقية والعالمية، واحتفاليات الإعلان عن قرعة كأس العالم فى كرة اليد بالأمس القريب وتنظيم الدورة الإفريقية.. نماذج من التمكن الحرفى والتقنى شهدت بها كل أجهزة إعلام الدنيا، والمطلوب أن نبنى على ما تقدم ما دمنا نستطيع.
وعليه أيضًا، مطلوب من كل الغرف الإعلامية المستحدثة وجهات الإنتاج الإعلامى وجماعة «إحنا التليفزيون المصرى» تحقيق كل ما من شأنه رفع درجات المصداقية والتناول الشفاف، وفرز الصالح من الطالح فيما يقدم، ومن يقدم، ومن المتلقى المستهدف بما يقدم.
وكذلك مصداقية الخبر، والتحقق من ذلك.. وهى رسالة إلى من يركضون نحو السبق الصحفى، ونحن نعيش فى مجتمع إعلامى ينافس على الوقت كعامل للتميز، بالإضافة إلى الترويج بأسلوب الإثارة والمبالغة، والتى تكون بالغالب على حساب المصداقية.
أخيرًا، لا بد من تقديم الجديد.. الإبداع والخروج بأنماط وتركيبات إعلامية جديدة.