رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«تحيا مصر» بلا أمية



«تحيا مصر بلا أمية».. مبادرة ودعوة قدمها الإعلامى نشأت الديهى على هواء برنامجه التليفزيونى فى إطار تبنى ثورة ٣٠ يونيو شعار «تحيا مصر»، لينضم مشروع محو الأمية إلى مشروعات جهاز «تحيا مصر» الرائعة، والتى يتم إنجازها تباعًا بامتياز واقتدار وتخطيط ناجح ينتهى بتحقيق الأهداف.
من منا يمكن أن ينسى معلومة أن عدد من بصموا فى الكشوف خلال العملية الانتخابية قبل ثورة ٢٥ يناير وصل إلى ٤،٥ مليون ناخب من بين سبعة ملايين أدلوا بأصواتهم.
إن هذا الرقم وغيره من الأرقام ومدلولاتها لا شك تجعلنا نستشعر خطورة ما نحن فيه وتداعياته المستقبلية، لأن إفرازات المجتمعات الأمية واختياراتها مهما بلغت درجات حسن النية والنقاوة والانتماء تتمخض بلا جدال عن نتائج تدفع إلى السقوط والتردى.. وإذا كانت تلك الأرقام تشير إلى أمية القراءة، فكيف الحال بالأمية الثقافية والأمية الصحية والاقتصادية وأمية التعامل مع الحاسبات والنظم الإلكترونية؟
هل تتذكر عزيزى القارئ الخبر التالى.. صوت أهالى قرية منفلوط لصالح نعم للدستور، وهى القرية التى قدمت أكثر من ٥٠ طفلًا ضحية فى كارثة القطار والمزلقان فى الزمن المباركى الصعب، والأغرب أنها بنسبة ٨٨٪.. الخبر مؤثر ومبكٍ ويحمل دلالات محزنة فى حينها، ابحثوا عن الأمية يا سادة.
إنها «الأمية» وتبعاتها المؤلمة، وأتذكر ما توقعته الدكتورة شيرين فراج عضو مجلس النواب وصرحت به لـ«روز اليوسف» أنه بعد إطلاق مبادرة «مصر بلا أمية» أن تقوم مؤسسات الدولة وخاصة الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار بمواجهة المشكلة على الفور للقضاء على الأمية، إلا أن ما حدث فعليًا كان عكس التوقعات، حيث فوجئنا فى عام ٢٠١٩ بزيادة نسبة الأمية لتصل إلى ٢٩٪ أى ما يعادل ١٨ مليون مواطن، مما دفع مجلس النواب للتدخل، فتقدمت ومعها أكثر من ٦٠ نائبًا بمشروع قانون «إنشاء الهيئة الوطنية لمحو الأمية وإعادة التأهيل»، لتحل محل الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، والتى لم تقم بدورها لمعالجة مشكلة الأمية، وتكون الهيئة الجديدة تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، ولها شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى.
وكانت النائبة قد أوضحت فى حينها أن مجلس النواب بدأ مناقشة مشروع القانون الذى تقدمت به فى لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب خلال زمن مطالبتها، وحضر رئيس هيئة محو الأمية اجتماع اللجنة لمناقشته فى عدم قيام الهيئة بدورها لمحو الأمية فى مصر، فحاول التنصل من مسئولياته والتبرير بأن الهيئة ليست لديها أموال كافية للقيام بدورها، وأن دور الهيئة وضع استراتيجيات، مما استفز النواب، فهاجمته بقولها: تدعى أنه ليس لدى الهيئة المال الكافى للقيام بدورها، فى حين أن الدولة أعطت للهيئة عام ٢٠١٧ ٢٠١٨ مبلغ ٢٨٨ مليون جنيه، وزادتها عام ٢٠١٨ ٢٠١٩ إلى ٣٧٤ مليون جنيه، ويعمل بالهيئة ٣٠٠٠ موظف، ورغم ذلك زادت نسبة الأمية لتصل إلى ٢٩٪ بمعدل ١٨ مليون مواطن، وهذا يعنى أن كل أموال الهيئة تذهب لأجوركم بمعدل ٩٦ ألف جنيه لكل موظف بالهيئة فى السنة بدون تأدية أى دور لمحو الأمية، وتدعى أن دور الهيئة وضع استراتيجيات، فهل هذا الكم من الموظفين البالغ ٣٠٠٠ موظف تضع بهم استراتيجيات فقط بدون عمل لمحو الأمية؟ وإذا كان دورك وضع استراتيجيات كما تقول فإن استراتيجيتك فاشلة، بدليل أنك لم تمح الأمية، بل زادت نسبة الأمية.
الحدوتة تتكرر.. لقد سارعت مصر منذ زمن بعيد إلى إصدار القوانين التى تحد من خطورة مشكلة الأمية، وكانت البداية الرسمية لهذه التشريعات فى عام ١٩٤٤، حيث شهد صدور القانون «١١٠»، والذى يعتبر أول تشريع رسمى يكافح الأمية ويعمل على نشر الثقافة الشعبية، ثم توالت بعده العديد من القوانين والقرارات الهادفة للقضاء على الأمية.
إن مشكلة الأمية فى مصر هى مشكلة مزمنة ومعقدة لا ترجع إلى سبب واحد، وإنما إلى أسباب متعددة «تاريخية، اجتماعية، اقتصادية، تربوية... إلخ»، وبالتالى فإن الأمية فى مصر ليست نتيجة لسبب واحد بل هى نتيجة لمجموعة كبيرة من الأسباب، لعل من أهمها: النظم والمناهج التعليمية التى طبقها الاحتلال البريطانى فى مصر. فبالنسبة للفقراء كان التعليم مقصورًا على الكتاتيب التى لم تكن تتسع إلا لعشرة فى المائة على الأكثر، وأما توفير تعليم حديث فقد كان لعدد قليل ومحدود من أفراد الشعب فى المدارس الابتدائية والثانوية والعالية والأجنبية، وكان الغرض منه توفير بعض الكوادر الإدارية لخدمة النظام الإدارى فى البلاد بما يخدم مصالح الاحتلال على طريقة الحكى الشعبى عندما تكون الحكاية مضحكة رغم مأساوية مضمونها.
«وللمقال تتمة فى عدد قادم بإذن الله»