رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العراق الحائر.. بين الطائفية والمحاور



التعاون مع مصر والأردن وغيرهما من الدول العربية، يمنح العراق، قطعًا، عمقًا عربيًا، يتيح له مواجهة التوحش التركى والإيرانى، بعد التراجع المقصود للدور الأمريكى. غير أن ذلك التعاون لن يتحقق ولن يؤتى ثماره، فى ظل الانقسامات الطائفية وتعدد الولاءات وغياب سيادة الدولة.
لجريدة «ذا ناشيونال» الإماراتية، تعهد مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، بمحاربة النظام الطائفى والتخلص منه. وخلال اجتماعه بمجلس الوزراء، قال إن إبعاد العراق عن سياسة المحاور هو المنهج الذى تسير عليه حكومته، موضحًا أن «التوازن والوسطية والاعتماد على تعزيز التعاون، خاصة فى العلاقات الاقتصادية»، هو ما يسعى إليه فى علاقاته مع الدول. وأشار إلى ضرورة أن يلتقى وزراء حكومته نظراءهم فى مصر والأردن لتعزيز التعاون البينى.
منذ عشرين سنة تقريبًا، وحال العراق لا يرُضى حبيبًا. وبالتدريج، لم يعد يطمئن عدوًا. ونتمنى أن تتمكن حكومة الكاظمى من تحقيق طموحات الشعب العراقى الشقيق فى استعادة سيادته وأمنه واستقراره، وألا توقفها العراقيل التى وضعتها وتضعها وستضعها كتل سياسية داخلية، وقوى خارجية، اعتادت على خلط الحابل بالنابل، وخلق مشكلات وأزمات يتزاحم فيها العاجل والآجل.
طوال تلك السنوات، كان العراقيون، بلا حول ولا قوة، ويتفرجون مثلنا، على بلدهم وهو يتحول إلى ساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، ولا يعرفون متى تنتهى الاستهدافات المتبادلة بين الطرفين، التى لن نلومك لو ربطتها بالاضطرابات السياسية وتظاهرات العراقيين احتجاجًا على غياب الخدمات الأساسية وتفشى البطالة، والتى نددوا خلالها أيضًا بالفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وطالبوا بإصلاح النظام السياسى، الذى يرونه فاسدًا. ما أجبر عادل عبدالمهدى، رئيس الحكومة السابق، على الاستقالة أواخر نوفمبر الماضى.
معارك العراقيين ضد تنظيم «داعش» كانت محتدمة، فى يونيو ٢٠١٦، حين فاجأهم حيدر العبادى، رئيس الوزراء الأسبق، بتعيين الكاظمى، الصحفى المعروف داخل البلاد وخارجها، رئيسًا لجهاز المخابرات. غير أن وقع المفاجأة كان أقل حين أنهى التوافق على الكاظمى، رئيسًا للوزراء، خمسة أشهر من الارتباك، عجزت خلالها عدة شخصيات عن تشكيل الحكومة. غير توافق القوى العراقية، كان هناك أيضًا توافق إقليمى على الكاظمى، نظرًا لعلاقاته الجيدة بالولايات المتحدة وإيران والسعودية. إذ تعززت علاقته مع واشنطن خلال مرحلة قتال تنظيم «داعش». كما حرصت طهران على التواصل معه لأنها رأته قادرًا على نزع فتيل الأزمة فى البلاد. أما الرياض، فعلاقته بها أكثر من جيدة، ويُقال إن علاقة صداقة تربطه بولى العهد السعودى محمد بن سلمان.
مع صباح ٧ مايو الماضى، بدأت حكومة الكاظمى العمل على طمأنة العراقيين الذين زادت معاناتهم بعد وباء «كورونا المستجد» وانخفاض إيرادات النفط. وفى أول خطاب تليفزيونى، بعد رئاسته الحكومة، قال الكاظمى إن أهداف حكومته ستكون محاربة الفساد، ووضع أسس «نظام صحى حديث» و... و... ولمس السلك العريان بتشديده على أن السلاح يجب أن يكون فى أيدى الجيش العراقى وحده. وعليه، كان طبيعيًا أن يواجه تحديات كبيرة من الكتل البرلمانية، التى ليس من مصلحتها الحد من سيطرة الميليشيات الإيرانية وتفكيك شبكات المحسوبية المتفشية فى البلاد.
عن مشاركته فى القمة المصرية الأردنية العراقية الثالثة، التى استضافتها العاصمة الأردنية عمان، الثلاثاء الماضى، كتب الكاظمى فى حسابه على تويتر أنه يتطلع إلى أن يكون لقاء الأشقاء بوابة نحو المستقبل، من أجل مشرق جديد للتنمية والازدهار، وتكريس روح الحوار والتفاهم والأمن فى المنطقة. وفى حواره مع جريدة «ذا ناشيونال» أشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى «رؤية جديدة»، وأكد أن «التنمية الاقتصادية والاجتماعية» يجب أن تكون فى أولوية العلاقات بين الدول العربية، مع احترام سيادة كل دولة وضمان عدم التدخل فى شئونها الداخلية.
الحكومة العراقية، إذن، حريصة على إبقاء قنوات التواصل والحوار مفتوحة مع كل الدول، بما فيها إيران، كما بدا واضحًا أنها تعاملت بهدوء، أو ببرود، مع الاعتداءات التركية على المناطق الحدودية. وقبل مشاركته فى القمة الثلاثية، زار الكاظمى واشنطن، وتمكن جزئيًا من حل معضلة الوجود العسكرى الأمريكى فى بلاده، بالاتفاق على إعادة انتشار قوات التحالف ونقل العلاقات العراقية الأمريكية من الجانب العسكرى إلى الاقتصادى، مع فصل العراق عن الصراع الأمريكى الإيرانى. وهناك، فى واشنطن، طرح فى حوار مع جريدة «واشنطن بوست»، تصورًا لتكتل عربى، سمّاه «المشرق الجديد»، يتيح تدفقات أكثر حرية لرأس المال والتكنولوجيا.
.. وأخيرًا، لعلك تعرف، كما يعرف القاصى والدانى والواقف بينهما أن طهران، أنقرة، والدوحة، تدعم جماعات وتنظيمات إرهابية، أمريكية التوجيه والمنشأ، وبإضافة «إسرائيل»، يمكنك بسهولة استنتاج أن توزيع الأدوار، بهذا الشكل ‏المربك، يهدف إلى التشويش أو «الغلوشة» على أى محاولة لتجاوز الأزمات التى يعيشها العراق ودول أخرى عديدة فى المنطقة.