رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محنة كورونا والاقتصاد الإنتاجى



منذ تفشى فيروس كورونا واتخاذ الدول إجراءات صحية واحترازية، تعتمد على إغلاق أماكن التجمعات والعمل، تأثرت دول العالم اقتصاديًا واجتماعيًا، وأجمع الخبراء الاقتصاديون على حدوث أزمة اقتصادية عامى ٢٠٢٠ و٢٠٢١ تطال جميع الدول ويزداد تأثيرها فى الدول متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل، وأن الملايين من البشر سيفقدون وظائفهم وعملهم، وبالتالى ستزداد البطالة ويزداد الفقر، وخرجت الإحصاءات من الأمم المتحدة لتخبرنا بأن الدول النامية تحتاج إلى ٢٫٥ تريليون دولار، لتمويل سياسات وبرامج التداعيات الاقتصادية لكورونا.
استجابت الدول، ومنها مصر، وبدأت فى اتخاذ سياسات حماية اجتماعية بمشاركة منظمات المجتمع المدنى، لدعم الفئات التى تضررت من جائحة فيروس كورونا، خاصة العمالة غير المنتظمة، وأيضًا مجموعة المصدرين والمستوردين والشركات السياحية، التى تضررت من وقف حركة السياحة والنقل والطيران بين الدول.
وبالطبع قلَّت تحويلات العاملين بالخارج والمهاجرين إلى بلادهم، ويتضح مما سبق أن البلدان التى يعتمد دخلها على الاقتصاد الريعى، ومنها مصر، والتى يعتمد اقتصادها على «السياحة ودخل قناة السويس والبترول وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمار العقارى» تأثرت كثيرًا، وبدأت الدول والحكومات تضع سياسات من أجل الاقتصاد الإنتاجى، خاصة فى مجالى الزراعة والصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتى لشعوبها وتحقيق الأمنين الغذائى والدوائى، اللذين يعتبران أمنًا قوميًا للبلاد، وتنبغى الإشارة إلى أن البلدان التى كانت تصدر الحبوب الغذائية، ومنها القمح إلى مصر، قررت وقف التصدير فى ظروف محنة تفشى فيروس كورونا من أجل توفير الغذاء لشعوبها أولًا، لذا لا بد من عودة الاعتماد على الاقتصاد الإنتاجى وبقوة ودعم الاستثمارات فى مجالات الزراعة والصناعة بكل أشكالها، من صناعة ثقيلة وتحويلية، مع الاعتماد على المواد الخام الزراعية والثروات الطبيعية والتعدينية المحلية.
وإذا انتقلنا إلى بلدنا مصر فإن الزراعة تعمل على توفير المواد الغذائية للمواطنين والمواد الخام التى يعتمد عليها العديد من المصانع، ومنها على سبيل المثال، محاصيل القطن والكتان التى تعتمد عليها مصانع الغزل والنسيج، والقصب الذى تعتمد عليه مصانع السكر، هذا بجانب الصناعات الغذائية فى منتجات الألبان والعصائر والأغذية، وأيضا الاهتمام بزراعة النباتات الطبية، التى تعتمد عليها الصناعات الدوائية المصرية، مع العمل على ضخ الدولة الاستثماراث فى مجال تطوير البحوث الدوائية وصناعة الدواء، لتوفير المستلزمات والأجهزة الطبية والدواء للشعب المصرى، كما أن الاهتمام بالثروة الحيوانية مهم جدًا لتوفير اللحوم والدواجن والأسماك للشعب وبأسعار فى متناول أصحاب الدخلين المتوسط والمنخفض.
إن الصناعة تلعب دورًا مهمًا فى تنمية القطاعات الإنتاجية، كالزراعة والقطاعات الخدمية كالسياحة، كما تعمل على نمو التجارة الداخلية والخارجية وتحسين الميزان التجارى لصالح مصر، بتقليل الاستيراد وزيادة الصادرات.
ما زالت الصناعة الإنتاجية فى مصر لا تسهم إلا بـ١٧٪ من الناتج المحلى الإجمالى، لكننا نحتاج إلى المزيد من الصناعة الإنتاجية، لزيادة مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى، وأيضًا زيادة فرص العمل الدائمة، والتى تحقق الأمن والأمان للعاملين من جهة، ومن جهة أخرى زيادة الدخل والقدرة الشرائية للمواطنين، ما يساعد على تدوير عجلة الإنتاج.
لذا لابد من وضع خطط اقتصادية تعتمد على التوسع فى الإنتاج الصناعى، من خلال قطاع الأعمال العام، مع العمل على حل المشكلات والعقبات التى تواجهه مع تحفيز الاستثمار الصناعى الإنتاجى للقطاع الخاص المحلى وتشجيعه، خاصة فى القطاعات التى توفر مزيدًا من فرص العمل.
«يهدف النظام الاقتصادى إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر..ويلتزم النظام الاقتصادى اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات، يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر، وفقًا للقانون».
ما سبق بعض ما جاء فى المادة ٢٧ فى الدستور المصرى، الذى أجمع عليه المصريون فى ٢٠١٤، والذى يجب على كل المسئولين فى الدولة الالتزام بتفعيله، بإصدار قوانين ووضع خطط تعمل على نهضة ونمو مجتمعنا وتحقيق العدالة الاجتماعية، التى ينادى بها الشعب المصرى، وعدم تحميل الأزمات للشعب، الذى ما زال يعانى من غلاء السلع والخدمات والبطالة والفقر الذى سجل ٣٢٫٥٪، وفقًا لآخر إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وإذا كانت الدولة بدأت فى تنفيذ برامج حماية اجتماعية للمواطنين، فإن هذا ما زال يغطى بضعة ملايين من الشعب المصرى، ولذا نطالب بالاستثمار فى الاقتصاد الإنتاجى، مع الاهتمام بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى كل المجالات، والعمل على تنظيم القطاع غير الرسمى وتأهيله وتقنينه، حيث يمثل هذا القطاع نصف الاقتصاد القومى.
إن الاقتصاد الإنتاجى يساعد على حمايتنا من الصدمات والأزمات، ويضعنا فى مصاف الدول المتقدمة.