رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمقى فى دار الحكمة!



جريمة، لا ينبغى أن تمر، ارتكبتها «نقابة الأطباء» بنعيها عصام العريان، القيادى بجماعة الإخوان، فى صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، بزعم أنه طبيب وكان عضوًا بمجلسها. ثم جاء اعتذارها عن نشر ذلك النعى، ليزيد الطين بللًا، ويؤكد أن المسيطرين على «دار الحكمة»، مقر نقابة أطباء مصر، لا يعرفون الفارق بين «الغرض السياسى» والمرض الوطنى.
النعى نوع من التكريم، خاصة لو كان من غير ذوى المتوفى. وبعد يومين من وفاة العريان، فى سجنه، تقدمت نقابة الأطباء بـ«خالص العزاء لأسرته»، وسألت الله «أن يتغمده برحمته الواسعة»، أما اعتذارها المزعوم، فلم يكن عن النعى بل «عن إثارة مشاعر أسر الشهداء والأطباء الذين تناولوه بتحفظ واستياء ملحوظ»، وزعمت، فى بيان، أنه «لم يتم لأى غرض سياسى تنأى النقابة عن الدخول فيه»، ما يوحى بأن حمقى «دار الحكمة» يرون أن «الغرض السياسى» قد يبرر دعم الإرهاب، وتكريم مُدرج على قوائمه، ومُدان بأحكام قضائية نهائية وباتة.
نقابة الأطباء، لها سوابق كثيرة فى خلط العمل النقابى بأغراض، أو توجهات، أعضاء مجلسها السياسية، ولن نحيلك إلى بيانات عديدة أصدرها المجلس الحالى أو مجالس سابقة، خلال السنوات، الشهور، أو الأسابيع القليلة الماضية، فقط، سنذكرك بدور النقابة البارز فى دعم الإرهاب، بدءًا من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، فى أفغانستان، ووصولًا إلى حركة «حماس»، إحدى أذرع جماعة الإخوان، التى تغلغلت داخل مجلس النقابة، وتمكنت من السيطرة عليه منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى، وعليه، لم يكن غريبًا أن تكون صفحة النقابة الرسمية، مرتعًا للإرهابيين، وأن نقرأ فيها هجومًا، يلامس قاع الانحطاط، ضد الدكتور خالد منتصر، وهو أيضًا طبيب، بالإضافة إلى كونه كاتبًا مهمًا ومثقفًا موسوعيًا، قد نختلف معه أحيانًا، لكن لا يمكننا الاختلاف على قيمته وعلى أهمية الدور التنويرى الذى يلعبه.
الخلاف مع جماعة الإخوان ليس سياسيًا، ولو كان يمكن تكييفه على أنه كذلك، خلال فترات معينة، خاصة قبل وبعد ٢٥ يناير ٢٠١١، فإن ذلك التكييف أو الزعم صار مستحيلًا بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وبعد أن تم إدراج الجماعة، قضائيًا، على قائمة الكيانات الإرهابية، وعليه، لا مجال هنا للحديث عن الساسة أو السياسة، ولا سياق يناسب تقيؤات مبرّرى جرائم الإرهابيين بأى «كلام فارغ» مدفوع الثمن أو ناتج عن أمراض نفسية.
هذا عن الجماعة ككل، أما عن قادتها المسجونين، أو الهاربين، فهم إرهابيون، ليس فقط بحكم انتمائهم وقيادتهم جماعة إرهابية، ولكن أيضًا لأنهم مدرجون، قضائيًا، على قوائم الإرهاب، كما أن غالبيتهم، إن لم يكن كلهم، صدرت ضدهم أحكام نهائية وباتة، لا يجوز الطعن عليها، فى جرائم عنف، إرهاب، قتل عمد، وتخابر مع دول أجنبية.
عصام العريان، مثلًا، كما أوضحنا فى مقال أمس الأول، تسبب فى قتل آلاف الأبرياء، وقالت أحكام قضائية، نهائية وباتة، إنه خان وطنه وتخابر لصالح دول معادية، وعوقب عن تلك الجرائم بالسجن لمدة قرن تقريبًا، كما كان ينتظر حكمًا بالإعدام، بعد تخفيف حكم مماثل إلى المؤبد.
هنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن هناك أطباءً غيره أعضاء مكتب إرشاد الجماعة، كما أن أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، تخرج فى طب قصر العينى، وكذا محمد الجوادى، الذى يصف نفسه بأنه «أبوالتاريخ»، والذى كان، قبل فراره، أستاذًا بطب الزقازيق.
فى دراسته عن «تحصين العقول»، التى نشرها المجلس الثقافى البريطانى، أكد مارتن روز أن أصحاب التخصصات العلمية يقعون فريسة سهلة للإرهابيين، لأن تعليمهم يعتمد على طريقة الأبيض والأسود، أو الصواب والخطأ، ما يحد من قدرتهم على التفكير النقدى، ويجعلهم أقل طرحًا للأسئلة، وأكثر قابلية للسمع والطاعة.
هذا الكلام، قد لا يكون صحيحًا فى المطلق، لأن هناك بين دارسى العلوم الاجتماعية والإنسانية مَن يستخدمون قدرتهم على التفكير النقدى فى التنظير للإرهابيين وتبرير جرائمهم، لكن ما يعنينا، الآن، هو أن أطباء الإخوان تمكنوا، طوال عقود، من السيطرة على النقابة، واستخدموها لتحقيق أهدافهم وجعلوها ستارًا لأنشطتهم، عبر «لجنة الإغاثة الإسلامية» التى أسسوها وسيطروا عليها، لتكون واجهة لـ«منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية» التى ارتبطت بالإخوان منذ أسسها شباب الجماعة، سنة ١٩٨٤، فى مدينة برمنجهام البريطانية.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن مجلس «نقابة الأطباء» لا يمثل غير ٥٪، على الأكثر، من أطباء مصر، وهناك من فازوا بعضوية المجلس بألف صوت تقريبًا، لأن نسبة التصويت فى انتخابات التجديد النصفى الأخيرة زادت قليلًا على ٩٪، بالضبط ٩.٣٦٪. وقطعًا ستضرب كفًا بكف لو عرفت أن هذه النسبة تزيد بنحو ٢.٧٪ على انتخابات ٢٠١٧، وبأكثر من ٣٪ على انتخابات ٢٠١٥ التى كانت نسبة المشاركة فيها نحو ٦٪ فقط لا غير!.