رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نائبة بايدن



حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا قدر الله، سيكون جو بايدن أكبر رئيس أمريكى، على الإطلاق، فى تاريخ الولايات المتحدة. ومع أن الأعمار بيد الله، إلا أن الناخبين وقادة الحزب الديمقراطى يرجحون ألا يُكمل فترته الرئاسية. وبالتالى بات الإعلان عن مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس بمثابة اختيار «استبن» للمرشح الرئاسى!.
الإعلان عن نائبة بايدن كان من المقرر أن يتم منذ أسبوع أو عشرة أيام، أو خلال الأسبوع الأول من الشهر الجارى. وأرجع البعض سبب التأخير إلى وجود مؤامرات ومناورات خلف الكواليس بين عدد من المرشحات للمنصب والداعمين لهن. وقيل فى تفسير حدة المنافسة أو اشتعالها إنه قد يتم الدفع بالنائب «النائبة» لخوض الانتخابات الرئاسية بعد المقبلة، انتخابات ٢٠٢٤، ما يعنى أيضًا سيطرة فكرة «الاستبن» أو دكة الاحتياط على اختيار كامالا هاريس «٥٥ سنة» لمنصب نائبة المرشح الرئاسى الديمقراطى، جو بايدن، أو جوزيف روبينيت بايدن الابن.
بايدن، الذى سيتم، فى ٢٠ نوفمبر المقبل، عامه الثامن والسبعين، سبق أن سعى إلى نيل ترشيح الحزب للرئاسة فى ١٩٨٨ و٢٠٠٨، وفشل فى المرتين. وفى ٢٥ أبريل قبل الماضى، أعلن رسميًا دخوله سباق الانتخابات. وكان واحدًا من أبرز عشرة مرشحين ديمقراطيين عقدوا مناظرة، فى سبتمبر الماضى، تنافسوا خلالها فى الهجوم على ترامب، الذى تصادف أنه كان يتحدث للنواب الجمهوريين، فقال لهم ساخرًا: «سواء أعجبتكم أم لا، يتحتم عليكم انتخابى، لأن بلادنا ستذهب إلى الجحيم إذا تولى رئاستها أحد هؤلاء».
النائبة، فى اللغة العربية، قد تعنى المصيبة الشديدة، أو ما ينزل بالشخص من الكوارث والحوادث المؤلمة. وكان وجود كامالا هاريس بين هؤلاء العشرة، كارثيًا أو مؤلمًا لبايدن، إذ كان أبرز ما شهدته تلك المناظرة هو صدامها الشديد معه بشأن سجله، غير المشرّف، فى مجال الحقوق المدنية. غير أنها، فور الإعلان عن اختيارها نائبة له، كتبت فى حسابها على تويتر أن بايدن «يمكنه توحيد الشعب الأمريكى لأنه قضى حياته يقاتل من أجلنا. وبصفته رئيسًا، سيبنى أمريكا التى تفى بمثلنا العليا». وأضافت: «يشرفنى أن أنضم إليه كمرشحة عن حزبنا لمنصب نائب الرئيس، وأن أفعل ما يلزم لجعله قائدًا أعلى لنا».
بهذا الشكل، كان طبيعيًا أن تلتقط الحملة الانتخابية للرئيس ترامب ذلك التناقض، وأن تشير إلى أن كامالا، هاجمت بايدن «منذ وقت ليس ببعيد»، واتهمته بالعنصرية و«طلبت اعتذارًا لم تحصل عليه». وبالمرة، ذكرت حملة ترامب أن كامالا «فى محاولتها الفاشلة للترشح للرئاسة، تبنت بسعادة البيان الراديكالى لليسار، داعية لفرض تريليونات الدولارات كضرائب جديدة». وغالبًا، سيتم استغلال ذلك جيدًا فى المناظرات التى ستجرى قبل إجراء الانتخابات الرئاسية فى الثالث من نوفمبر المقبل: ثلاث مناظرات بين ترامب وبايدن، فى ٢٩ سبتمبر، و١٥ و٢٢ أكتوبر، بالإضافة إلى مناظرة بين كامالا ونائب الرئيس مايك بنس فى ٧ أكتوبر.
السياسة ليست منافسة خبراء. وعليه، لن نتوقف عند رسوب بايدن خلال دراسته الجامعية لقيامه بسرقة خطاب لزعيم حزب العمال البريطانى، نيل كينوك، أو عند معارضته لتنفيذ الهجمات العسكرية التى أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن، حين كان نائبًا للرئيس السابق باراك أوباما. لكن ما يستحق التوقف عنده طويلًا هو اختياره نائبة له، بعد كل تصرفاته وتعليقاته الوقحة ضد النساء، واتهام عدة سيدات له بأنه تحرش بهن. وكذا، مفارقة أن تكون تلك النائبة سوداء، مع أن لديه سجلًا حافلًا بالمواقف المشينة فى القضايا العرقية خلال فترة عضويته الطويلة بمجلس الشيوخ.
لم تشارك أى امرأة سوداء فى السباق الرئاسى مع أى مرشح للمنصب، كما لم تفز أى امرأة بالرئاسة الأمريكية أيضًا. وهناك امرأتان فقط ترشحتا لمنصب نائب الرئيس، كلتاهما بيضاء: سارة بالين عن الحزب الجمهورى فى انتخابات ٢٠٠٨، وجيرالدين فيرارو عن الحزب الديمقراطى فى عام ١٩٨٤. ولم تصل أى منهما إلى البيت الأبيض.
بالتالى، لو حدثت المعجزة، وفاز بايدن، ستكون كامالا هاريس هى أول امرأة سوداء، من أصول أفروآسيوية، تشغل منصب نائب الرئيس، لتضاف إلى عشرات النماذج التى تم تصعيدها، والتهليل لها، باعتبارها سوابق أولى فى تاريخ الولايات المتحدة: أول أسود، أول امرأة، أول مسلم، أول شاذ أو مثلى الجنس و... و... إلخ. مع ملاحظة أن المنتمين لتلك الفئات، جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين، حال شغلهم مواقع، يكونون أكثر عنصرية وانحطاطًا من غيرهم.
أخيرًا، ومع أن الدستور الأمريكى، كما هو معروف، يقصر مدد الرئاسة على اثنتين فقط. ومع أن نتائج استطلاعات الرأى تتأرجح من استطلاع إلى آخر، إلا أن رهان الحزب الديمقراطى، على أمثال بايدن ونائبته، كارثته أو مصيبته، كفيل بأن يجعل ترامب رئيسًا مدى الحياة!.