رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لبنان الكرامة ولملمة الجراح



ذرف محافظ بيروت، مروان عبود، الدموع وهو يتحدث عن الانفجار، قائلًا إن ١٠ عناصر من رجال الإطفاء اختفوا فى غمضة عين، الانفجار يشبه ما حدث فى اليابان «عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية فى نهاية الحرب العالمية الثانية قنبلتين نوويتين على مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان فخلفتا دمارًا شاملًا وأكثر من ٢٠٠ ألف قتيل». إنه نكبة وطنية ومصيبة على لبنان.
نعم إنها كارثة كبرى كما قال كل الخبراء العسكريين، واصفين ما حدث من تفجير فى مرفأ «ميناء» بيروت بأنه ثانى أكبر انفجار فى العالم بعد انفجار اليابان.
الذعر والهلع والدهشة والذهول والخوف والصراخ لحظة وقوع الانفجار فى ميناء بيروت كزلزال قوى بقوة ٤٫٥ ريختر، ففى لحظات كان الانفجار مع تصاعد ألسنة اللهب من الحرائق المشتعلة، وتصاعد الدخان الأسود إلى السماء فى ليلة خانقة غبراء، وعلى البر تحطمت الأشجار والسيارات والعديد من المصارف والمحلات، وتهدمت المبانى ودفن المئات من الأحياء والأموات تحت الركام، عدد الضحايا وصل إلى ١٣٥، وأكثر من ٥٠٠٠ مصاب و٨٠ مفقودًا «أثناء كتابة المقال».
قُدِّرت الخسائر الأولية بخمسة مليارات دولار، هذا بجانب تدمير مخزن أدوية الأمراض المستعصية الموجود بجوار الميناء بنسبة ٩٠٪، ولجوء ٣٠٠ ألف لبنانى ولبنانية تهدمت منازلهم إلى الخلاء، أصبحوا فى لحظات بلا مأوى، بالإضافة إلى احتراق مخازن القمح بالكامل.
هرع الأهالى والمسعفون لنقل المصابين إلى المستشفيات التى لم تتمكن طاقاتها من استيعاب كل هذه الأعداد الهائلة من الجرحى والمصابين، بجانب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية.
لم تنم بيروت حتى الآن، عيونها ساهرة على مشاهد الدمار الشامل وألسنة اللهب الحمراء تختلط مع لون الدماء، وصوت سيارات الإسعاف ترتفع مع أصوات صرخات الأهالى وصرخات فزع الأطفال.
يعتبر ميناء بيروت من أهم ١٠ موانئ على البحر المتوسط، لأهميته الجغرافية وأهميته كميناء أساسى فى حركة التجارة والتصدير والاستيراد، لذا فالخسائر كبيرة، خسائر مباشرة فى البنية التحتية التى تهدمت، مع توقف إيرادات الدولة من عائدات الجمارك مع توقف حركة التصدير والاستيراد لفترة كبيرة، بالإضافة إلى أنه لا بد من إعادة بناء ما تهدم، بجانب الحاجة إلى تدبير مأوى سريع لـ٣٠٠ ألف مشرد تهدمت منازلهم.
أجمع الخبراء الأمنيون والعسكريون على أن الانفجار نتج عن وجود شحنة من نترات الأمونيوم التى تستخدم لصنع السماد الغنى بالنيتروجين وكمادة لتحضير المتفجرات، وهى من المتفجرات القوية، هذه الشحنة تمت مصادرتها من إحدى السفن «٢٧٥٠ طنًا» وتخزينها فى عنبر من عنابر الميناء منذ عام ٢٠١٤، أى منذ ٦ سنوات، رغم خطورتها وخطورة تخزينها بجوار بقية عنابر الميناء المليئة بالبضائع والأغذية والأدوية والمواد الكيماوية، بالإضافة إلى قربها من منشآت ومبانٍ آهلة بالسكان.
على مدى يومين كانت الأحاديث والتكهنات حول معرفة سبب الانفجار، سواء نتيجة لظروف تخزينها تحت ضغط لمدة طويلة، مع عوامل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة، مما أدى إلى اشتعال ذاتى، أو ناجمة عن عمل تخريبى كانت نتيجته فى كل الحالات كارثة ومصيبة كبرى أصابت قلب لبنان البلد الشقيق، وأصابت قلوبنا بوجع كبير.
لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى جرح جديد فالجراح كثيرة، من أزمة اقتصادية حادة وإفلاس المصارف وهبوط الليرة اللبنانية لأدنى سعر وغلاء الأسعار وعدم توافر الغذاء والدواء وتفشى الفساد الذى صار عليه اللبنانيون، بجانب محنة تفشى فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية فى كل أنحاء العالم.
لقد سارعت الدول بإرسال المساعدات الطبية والدوائية مع إرسال أطباء للمساعدة فى إنشاء مستشفيات ميدانية مع خبراء للإطفاء والقضاء على الآثار الناجمة عن الانفجار، هذا بجانب فرق لإنقاذ الموجودين تحت الأنقاض، وفرق لانتشال الضحايا من البحر، ومن هذه الدول مصر وفرنسا والأردن والصين وروسيا وإيران والإمارات واليونان.
كل هذه مساعدات إنسانية سريعة ومطلوبة من كل الدول، ولكن لبنان فى حاجة إلى مساعدات على المدى البعيد لإعادة بنائه، وفى حاجة الآن إلى تحقيق فورى وشفاف وموضوعى لكشف المسئولين عن هذه الكارثة المهولة، وفى حاجة إلى اقتناص هذه اللحظة الكارثية وتحويلها لفرصة حقيقية للقيام بتغييرات جذرية فى السياسات الاقتصادية ومحاسبة الفاسدين.
وقبل أن أنهى مقالى أقترح أن تلتقى كل القوى السياسية والمنظمات الأهلية والشعبية لإنشاء الحملة الشعبية المصرية لدعم الشعب اللبنانى.
لبيروت من قلبى سلام.