رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر و«كورونا».. نقاط فاصلة على مفترق الطريق


الأولى: ذروة الإصابات
مصر وصلت إلى ذروة الإصابات فى ١٩ يونيو السابق بـ١٧٧٤ إصابة، مضت على ذلك قرابة ٦ أسابيع، ما يطمئننا إلى أنها بالفعل كانت الذروة، حيث بدأت الأعداد بعدها فى التراجع.. أعداد الإصابة اليومية حاليًا صارت أقل من ٧٪ مقارنة بفترة الذروة، ما يعكس مستوى التراجع الكبير فى معدلات الإصابة.. معدلات الوفاة أيضًا بلغت ذروتها فى ١٥ يونيو بـ٩٧ حالة، ثم أخذت فى التراجع ببطء حتى منتصف يوليو، قبل تحقيق تراجعات جديدة، وصلت إلى قرابة ٢٥٪ مقارنة بفترة الذروة، وذلك حتى يوم الأربعاء ٥ أغسطس.. والأهم أن عدد حالات التعافى منذ أواخر يوليو بدأت تسجل أعدادًا تفوق عدد حالات الإصابة فى نفس اليوم، وهو ما يعتبر بمجرد ثباته، المؤشر الحقيقى للاتجاه نحو التعافى الكامل، لأنه يعنى التراجع المستمر فى عدد الحالات النشطة، وإن كان من المستحيل بالطبع الوصول إلى «صفر» إصابات، دون لقاح ينهى الدورة الجهنمية للعدوى.

الثانية: سباق تطوير اللقاح
ما ينبغى أن يطمئننا، هو أن مصر ليست بعيدة عن التنافس الدولى المشتعل للتوصل إلى لقاح يكسر دائرة التفشى، ويقضى على الوباء، لأنها أبت أن تقف فى انتظار انتهاء الدول المتقدمة والغنية من الحصول على احتياجاتها من لقاحات «موديرنا»، أو «فايزر بيونتيك» أو «ريمديسيفير» مضاد الفيروسات الذى طورته «جيلياد ساينسز».. علماء المركز القومى للبحوث بدأوا منذ عدة أشهر فى تطوير لقاح بمصنع ٦ أكتوبر بسعر قد لا يتجاوز ١٥ جنيهًا.. مصر حجزت أيضًا حصصًا من اللقاح الذى تنتجه جامعة «أكسفورد».. وكميات كافية من دواء «جيلياد».. إضافة لإجراء تجارب سريرية على العقار اليابانى «أفيجان» المضاد للفيروس الذى طورته روسيا باسم «أفيفافير»، تمهيدًا لإدراجه فى البروتوكولات العلاجية.. وهناك اتفاق بين وزارة الصحة والصين على تصنيع لقاح «كورونا» الذى تطوره شركة «كانسينو» الصينية بمعامل «فاكسيرا»، لتلبية احتياجات القارة الإفريقية، وذلك بمجرد التأكد من فاعليته.. مبادرات مصر تؤكد نجاحها فى إدارة أزمة الوباء، والتحرك على عدة محاور، والتحسب لجميع الاحتمالات، وذلك لصالح صحة المواطن المصرى.

الثالثة: عودة السياحة
يعتبرونها أهم وسائل تعافى الاقتصاد بعد أزمة «كورونا»، رغم أن جهود التنشيط والترويج السياحى مهما تكلفت فلا طائل من ورائها، لأنها أزمة عالمية لا علاقة لها بالمقصد السياحى المصرى.. خسائر قطاع السياحة على مستوى العالم خلال الأشهر الخمسة الأولى من ٢٠٢٠ بلغت ٣٢٠ مليار دولار.. الانخفاض فى عدد السياح عالميًا بلغ خلال مايو ٩٨٪ مقارنة بنظيره من ٢٠١٩.. قطاع السياحة العالمى استغرق ١٤ شهرًا حتى تعافى من تداعيات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وحوالى عام للتعافى من تأثيرات انتشار وباء سارس ٢٠٠٣.. بينما احتاج ١٩ شهرًا، للتعافى من تداعيات الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٩.. بالنسبة لكورونا، الرؤية ضبابية، حيث إن تجاوز الأزمة لا يتوقف على إعادة فتح المطارات وعودة الطيران، بل على عودة الثقة للسياح والرغبة فى السفر.. وهذا يتوقف على عاملين، توفر علاج أو لقاح يوقف التفشى، وتحسن الأوضاع الاقتصادية.
بعض المقاصد السياحية مثل البرازيل تتجاهل تلك الحقائق، وتحاول مع استئناف حركة الطيران استعادة النشاط السياحى، لتعويض جزء من خسائر الصناعة التى بلغت ٢٣.٦ مليار دولار نتيجة للإغلاق، ومحاولة انتشال اقتصادها من انكماش ٩.١٪ هذا العام.. لكنها ثانى دول العالم من حيث الإصابات «أكثر من ٢.٦ مليون»، بمعدلات يومية كارثية «تتجاوز ٥٥ ألف حالة»، ورغم ذلك تعيد فتح حدودها أمام السياحة، متجاهلة الوباء ومخاوف السائحين، وهما عاملان كفيلان بإعاقة أى نمو سياحى مهما بُذِل من جهود ترويجية.. السياحة فى قبرص تشكل ١٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، سعت للترويج بطريقة فريدة، إذ تعهدت بتحمل تكاليف الإقامة والعلاج للسائح وأسرته المرافقة، فى حالة إصابته أثناء وجوده فى الجزيرة.. مصر فتحت فنادقها أمام السياحة الداخلية جزئيًا، واستقبلت بعض الأفواج السياحية.. عودة السياحة الداخلية تسهم فى الترفيه عن العائلات بعد شهور من العزل المنزلى، ولكن لا ينبغى الإنفاق على حملات ترويج دولية، لأن السائح غير مستعد للسفر، إما خوفًا أو نتيجة نقص الإمكانيات، فضلًا عن قيود السفر التى بدأت بعض الدول فى فرضها مع ظهور الموجة الثانية من تفشى الوباء.. ولنتذكر أن عودة سائح واحد إلى بلاده مصابًا بالكورونا يمكن أن تغلق سوقًا كاملة لأجل غير منظور.


الرابعة: الإجراءات الاحترازية
مصر تتعايش مع «كورونا» منذ بداية يوليو، بعد أن فرضت التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعى وارتداء الكمامة، مما أسهم فى استمرار عجلة الإنتاج وتراجع معدلات الإصابة.. أسوأ ما يمكن أن نفعله فى تعاملنا مع الوباء هو الاستهتار به وتجاهل مخاطره، وهى ظاهرة منتشرة بالفعل، حتى إن هناك قطاعًا واسعًا من الرأى العام لم يؤمن بوجود الفيروس إلا عندما وجده يختطف عزيزًا لديه، وهناك قطاع آخر آمن بوجوده، لكنه أقنع نفسه فيما بعد بانتهائه!.. الإعلام ينبغى أن ينقل للمواطن بوضوح تأكيد تيدروس أدهانوم مدير عام منظمة الصحة العالمية الخاص بأن فيروس كورونا «أشد حالة طوارئ صحية عامة تواجهها المنظمة فى تاريخها»، وأن يبذل المزيد من الجهد لنشر الوعى بالمرض ومخاطره، والتأكيد على كيفية منع انتشار العدوى وثقافة التطهير والنظافة.. التكرار طرقًا على الرءوس لا غنى عنه.. المواطن هو العنصر الحاسم فى المواجهة، والوعى هو السلاح الذى ينبغى أن توفره الدولة بالإعلام المعنى، حتى نتمكن من عبور الأزمة بأقل خسائر ممكنة.

الخامسة: احتمالات الموجة الثانية
ينبغى الانتباه إلى أن تراجع معدلات الإصابة والوفاة لا يمكن الاستناد إليهما كمؤشرات تدفع إلى التراخى فى اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، فقد سجل عدد من الدول الواقعة فى آسيا والمحيط الهادى زيادات جديدة فى حالات الإصابة، رغم أنها كانت من أوائل الدول التى زحف إليها الوباء، وتمكّنت بالفعل من احتوائه تمامًا.. الصين، هونج كونج، اليابان، فيتنام، وأستراليا نماذج مثالية للنجاح فى السيطرة على الفيروس، أضحت الآن تمثل هاجسًا مُقلقًا، بعد عودته للتفشى فيها، خاصة أنه لم يتبق على انتهاء فصل الصيف سوى أسابيع قليلة.. وتحذر منظمة الصحة العالمية من موجة ثانية من الوباء يمكن أن تصيب العالم فى الخريف.. كما يتوقع علماء الأوبئة موجة تفشٍّ أشد خطورة فى الشتاء، لأن الناس تقضى وقتًا أطول معًا فى أماكن مغلقة، غالبًا تكون سيئة التهوية.

السادسة: مخاطر عيد الأضحى
ذروة الإصابات حدثت فى مصر نتيجة لعملية التفشى التى حدثت خلال أسبوع إجازة عيد الفطر المبارك، ولذلك حاولت الحكومة تجنب التعرض لعملية تفشٍّ جديدة نتيجة لإجازة عيد الأضحى المبارك.. مجلس الوزراء شدد فى آخر اجتماعه قبل الإجازة «٢٩ يوليو» على تطبيق القرارات الخاصة بارتداء الكمامات فى وسائل النقل العام والجماعى والمصالح الحكومية ومنشآت الخدمات، تجنبًا لحدوث انتكاسة للنتائج الإيجابية التى تحققت فى حصار الفيروس.. وزارة الداخلية أكدت متابعة المتنزهات العامة والشواطئ وأماكن التجمعات، لتطبيق الإجراءات الاحترازية وتحرير محاضر فورية لكل من يخالفها، وهى محاولة لتجنب تكرار مرحلة التفشى التى أعقبت عيد الفطر.


السابعة: مقاومة المصريين للفيروس
الدكتور جمال عصمت، نائب رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة والسكان، ومستشار منظمة الصحة العالمية، كشف عن أن بحثًا فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، أثبت أن الأدوية المستخدمة فى علاج «فيروس سى» قد تؤثر فى علاج كورونا، بعدها بدأت مجموعات من العلماء فى مصر وجنوب إفريقيا والبرازيل وإيران إجراء تقييم حول إمكانية استخدام أدوية «فيروس سى» لعلاج «كورونا»، وأكد أنه لوحظ أن فيروس كورونا المستجد «كوفيد- ١٩»، يستخدم نفس الإنزيم الذى يعمل عليه «فيروس سى» للتكاثر، ومن ثم يمكن أن يكون لتلك الأدوية تأثير إيجابى، لا فى الشفاء فحسب بل ربما فى الوقاية من الإصابة، أو تقييدها ومنع تجاوزها مرحلة الأعراض البسيطة.
مصر استثمرت الكثير فى صحة المواطن، منذ تولى الرئيس السيسى منصب الرئاسة، أطلق مبادرة لعلاج التهاب الكبد الوبائى «فيروس سى».. أشاد بها أدهانوم مدير منظمة الصحة العالمية، مشيرًا إلى إجراء نحو ١٢ مليون اختبار للمواطنين، وتم توفير العلاج مجانًا لثلاثة ملايين مواطن، وبتكلفة فى متناول قدرة الباقين.. مصر أصبحت أول دولة على مستوى العالم تحقق الهدف الذى وضعته منظمة الصحة العالمية للقضاء على الفيروسات الكبدية بحلول ٢٠٣٠، وذلك قبل المدة المحددة بـ١٠ سنوات، وتم تصنيفها الأولى فى علاج «فيروس سى».. حملة ١٠٠ مليون صحة، تمكنت خلال ٧ أشهر، من الكشف على ٦٠ مليون مصرى، وأسهمت فى علاج الكثير من الأمراض المزمنة التى تضعف مقاومة المريض للفيروس، مما أدى إلى حرمان «كورونا» من العصف بحياة الملايين من المصريين.

الثامنة: الحملة الإعلامية المعادية
أبواق ومنصات بث السموم فى قطر وتركيا، تداولت تقريرًا صادرًا عن مركز بحثى، تابع لتحالف عدة شركات ومنظمات غير ربحية، مملوكة لشركة «Deep Knowledge Group» البريطانية للاستثمار، تأسست ٢٠١٤ فى هونغ كونغ، ومركزها حاليًا لندن.. التقرير نشرته مجلة «فوربس» الأمريكية، تناول تقييمًا لمستوى كفاءة مكافحة فيروس كورونا بدول العالم خلال النصف الأول من العام الجارى، على أساس معايير كفاءة الحجر الصحى، ومدى قدرته على وقف تفشى العدوى، دون تعطيل دوران الاقتصاد خلال فترات الإغلاق، وتقديم الدعم الاقتصادى والخدمات للمواطنين المعزولين صحيًا، والعقوبات الجنائية على من ينتهك الحظر أو الإجراءات الاحترازية، وطبيعة القيود المفروضة على السفر، وعدد الفحوصات الطبية، ومستوى استعداد المستشفيات.. التقرير وضع سويسرا فى المرتبة الأولى من حيث كفاءة جهود المكافحة، وألمانيا الثانية، لكنه وضع مصر فى المرتبة ٨٦ رغم أن ترتيب ألمانيا من حيث عدد الإصابات الـ١٨ على العالم، بينما مصر أفضل منها بتسعة مراكز!.. والمسىء أن تخرج أبواق مصرية مأجورة تبرر ذلك الترتيب، وتنتقد إدارة مصر للأزمة، متجاهلة تفوق النتائج التى حققتها مصر حتى الآن فى السيطرة على انتشار الوباء.
المركز يمثل شركات تسويق دولية، تمويله من التبرعات، يسعى لتوظيف نتائجه كأداة تسويق لدول معينة، باعتبارها الأكثر أمنًا للاستثمار فى زمن ما بعد كورونا، لذلك تجاهل إدارة مصر للأزمة بما تضمنته من إجراءات غير مسبوقة، فهى وسط الأزمة ساعدت الدول الأكثر تأزمًا بمستلزمات الوقاية ومنع التفشى.. خصصت قرابة ٤٠٠ مستشفى لاستقبال الحالات الصعبة، بخلاف مراكز العزل ومستشفيات الطوارئ.. وقدمت ٢٠ مليار جنيه دعمًا نقديًا لمدة ثلاثة أشهر للمضارين من الإغلاق الجزئى.. كفاءة الأطقم الطبية سمحت ببدء علاج المصابين وفق الأعراض الفسيولوجية، قبل عمل المسحة وأشعة الصدر وتحليل الدم.. الحكومة وفرت البروتوكول العلاجى بروشتة طبية وبأسعار معقولة من صيدليات الإسعاف للحالات البسيطة ومرافقيهم، الذين فضلوا العزل والعلاج المنزلى، مما خفف الضغط على المنشآت الطبية، وسمح بالعودة لاستقبال أصحاب الأمراض المزمنة.. كما وفرت مراكز متطورة فى العباسية والتجمع لمن يرغب فى عمل مسحة للاطمئنان.
التجربة المصرية بكل تواضع إمكاناتها مقارنة بالدول الغنية، تعتبر أكثر كفاءة من حيث إدارة الأزمة، وهو ما كان جديرًا بقطع ألسنة من حاولوا استغلال ذلك البحث المغرض لانتقاد الحكومة والادعاء بعدم جاهزيتها لمواجهة الأزمة، رغم بدايتها المبكرة بحملة علاج ٦ ملايين مصاب بـ«فيروس سى»، ثم ١٠٠ مليون صحة.. الأولى حصنت المصريين بأحدث مضاد متطور للفيروسات، والثانى عالج أمراضًا كانت كفيلة بتسليم أصحابها فريسة سهلة لـ«كورونا».. مصر عبرت الأزمة، بفعل إدارة حكومية كفء، وتعاون لا بأس به من المواطن.. العالم بدأ مرحلة تفشٍّ جديدة للوباء، نأمل أن يظل وعى المواطن وتعاونه حصنًا لمصر من الانزلاق إليها.