رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألمانية لا تشم ذيول الألمان


وجود أمثال بيربل كوفلر بين قيادات «الحزب الديمقراطى الاجتماعى»، يوشك أن يقضى على ذلك الحزب الأقدم فى ألمانيا والأكبر من حيث عدد الأعضاء، والذى تأسس سنة ١٨٦٣ ليكون اشتراكيًا، ثم تحوّل مع الوقت إلى حزب ديمقراطى اجتماعى، يمثل يسار الوسط.
منذ عاد هذا الحزب إلى الحكم، سنة ٢٠١٣، ضمن الائتلاف الذى تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، وأسهمه فى النازل، إذ حقق خسائر فادحة فى الانتخابات الأوروبية، دفعت رئيسته السابقة، آندريا ناهلس، إلى الاستقالة فى مايو ٢٠١٩، واستمر تراجع شعبيته، محليًا، تحت قيادة ساسكيا إسكن ونوربرت فالتر بوريانز، حتى نزل نصيبه من التأييد إلى ١٢٪، متساويًا مع حزب تأسس بعده بـ١٥٠ سنة: حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليمينى القومى.
الأستاذة كوفلر، Bärbel Kofler، هى مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان. وما كنا سنتوقف عند فشلها أو فشل حزبها، أو سنلتفت إلى تصريحاتها الصفيقة، التى نشرها «المركز الألمانى للإعلام»، الأحد الماضى، لولا أن السفارة الألمانية بالقاهرة، أعادت نشر تلك التصريحات مساء أمس الأول، الإثنين، فى صفحتها الرسمية على فيسبوك!.
فى تصريحاتها الصفيقة، زعمت الأستاذة كوفلر أنها شعرت «بصدمة بالغة» تجاه ما وصفته بـ«سلسلة الاعتقالات وأحكام الإدانة بحق شابات مؤثرات رقميًا ومدونات فى مصر». وأشارت إلى العقوبات التى صدرت ضد فتاتى «التيك توك» مودة الأدهم وحنين حسام، ووصفتها بأنها «عقوبات شديدة بشكل غير معقول»، وقالت إنه «يجب رفض هذا النوع من تقييد حرية التعبير بحزم»، زاعمة أنه «يستهدف بشكل خاص الشابات اللواتى يتواصلن بنجاح كبير على وسائل التواصل الاجتماعى حول موضوعات متنوعة». وزادت حدة صفاقتها بأن قالت إن «هذه الأحكام ذات الأسس القانونية المريبة تهدف إلى تخويف جيل كامل من الشابات الشجاعات».
منذ ثلاث سنوات بالضبط، أى فى ٥ أغسطس ٢٠١٧، اعتقلت الشرطة الألمانية، سائحين صينيين كانا يلتقطان صورًا لبعضهما البعض بهواتفهما المحمولة، أمام مبنى «الرايختساج»، الذى يضم البرلمان الألمانى «البوندستاج»، وهما يمدان ذراعيهما اليمنتين فى الهواء بشكل مستقيم، وكأنهما يؤديان التحية الشهيرة للزعيم النازى أدولف هتلر. ولعلك تعرف أن ألمانيا قامت بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية بتجريم تلك التحية، وتلاحق كل مَن يؤديها بقصد أو بدون، بتهمة استخدام رموز منظمة غير شرعية!.
أيضًا، فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٧ قامت السلطات الألمانية باعتقال عشرات الأشخاص لمجرد أنهم رددوا هتافات ضد إسرائيل اعتراضًا على الاعتراف الأمريكى بالقدس المحتلة عاصمة لذلك الكيان، وقام أحدهم بحرق علم واحد ووحيد لذلك الكيان، يزيد قليلًا عن الربع متر. ووقتها، انتفضت ألمانيا، بمؤسساتها ووسائل إعلامها، بزعم أن «هناك مسئولية تاريخية تقع على عاتق ألمانيا بالوقوف إلى جانب إسرائيل وجميع اليهود فى كل مكان»، كما قال شتيفن زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، والأكثر من ذلك هو أن هايكو ماس، وزير الخارجية الحالى، الذى كان وقتها وزير العدل، قال: «لا يوجد مكان لمناهضة السامية فى ألمانيا».
المعنى نفسه كررته إينس بول، رئيس تحرير موقع دويتشه فيله، «DW»، فى مقال، أكدت فيه أن «مَنْ يريد أن يعيش فى ألمانيا عليه أن يلتزم بمنظومة القيم الألمانية ومن بينها أيضًا مناهضة معاداة السامية». وبعد كلمات قليلة عن الحق فى التظاهر، ظهرت كلمة «لكن»: «لكن تاريخنا لا يُلزمنا بأن نسمح بكل شىء بلا حدود». وأوضحت أن «ألمانيا عليها مسئولية من نوع خاص يجب أن تفى بها فى كفاحها ضد معاداة السامية». وانتهى المقال بهذا التهديد الصريح: «مَن لا يلتزم بهذا الإرث لا يمكن أن يجد له مستقبلًا هنا. وهذا أمر غير قابل للتفاوض».
قبل هاتين الحادثتين، وبعدهما، حدثت انتهاكات كثيرة لحرية التعبير فى تلك الدولة، استنادًا إلى أسس قانونية مريبة تهدف إلى تخويف جيل كامل من الشابات الشجاعات والشباب الشجعان، من بينها، مثلًا، قيام الشرطة الألمانية، فى ١٣ يوليو ٢٠١٦، بمداهمة ٦٠ منزلًا وصادرت ما بها من أجهزة كمبيوتر وكاميرات وهواتف ذكية، واعتقلت مَن فيها، لأنهم كتبوا تدوينات أو تغريدات، فى حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعى، قيل إنها معادية للسامية!.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن الأستاذة بيربل كوفلر تشغل موقعها منذ استقالة كريستوف شتريسر، فى فبراير ٢٠١٦، إثر انتقاد «منظمة العفو الدولية» بشدة تراجع اهتمام برلين بحقوق الإنسان فى سياستها تجاه اللاجئين وتهوينها من شأن جرائم العنف ضدهم، ذات الدوافع العنصرية. ما يعنى أن المذكورة، كانت مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان، وقت حدوث الانتهاكات الثلاثة، سالفة الذكر، التى أوردناها على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك، التزمت الصمت، أو أصابها الخرس، ربما لأنها تعلمت من الخنازير ألا تشم ذيول أقرانها، ومشّيها ذيول!.