رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأضحى.. آيا صوفيا.. والأقصى


أكثر من ٢٥ ألف فلسطينى أدوا، أمس الجمعة، صلاة العيد فى المسجد الأقصى المبارك، وسط إجراءات وقائية مشددة بسبب فيروس «كورونا المستجد»، وفى ظل قلق متزايد من ممارسات الإسرائيليين، الذين «يظنون، وخاب ظنهم وطاش سهمهم، أنهم بغطرستهم وقوتهم وإمداد العالم الظالم لهم سيكون لهم موطئ قدم فى المسجد المبارك»، كما قال الشيخ محمد حسين، مفتى القدس والديار الفلسطينية، فى خطبة العيد.

خلال السنوات الأخيرة، زادت وتيرة الاستيطان فى القدس المحتلة، وتزايدت الاعتداءات على المسجد الأقصى، لكن ما رفع أصوات طبول الحرب، الأيام الماضية، أن اقتحام المستوطنين للمسجد المبارك تزامن مع ترويج قناة إسرائيلية لإقامة «الهيكل» المزعوم، وقيام قوات الاحتلال، بحملة مداهمات واعتقالات واسعة فى مناطق متفرقة من مدن الضفة الغربية المحتلة، وكرد فعل طبيعى دعا مجلس الأوقاف الإسلامية فى المدينة المحتلة إلى شد الرحال للمسجد المبارك فى أول أيام العيد، فى بيان، جاء فيه: «يا أمة الإسلام، إن شرطة الاحتلال وأذرعها الأمنية ومن خلفها مجموعات المتطرفين بلغت حدًا من الصلافة والغطرسة كل مبلغ».

اليهود المتطرفون يحاولون، عادة، إقامة شعائر ومراثٍ فى المسجد الأقصى، فى اليوم الذى يقولون إنه تم فيه تخريب الهيكل، إذ يقومون بالصلاة فى «حائط البراق» المعروف باسم «حائط المبكى»، حدادًا على ما يقولون إنه «تخريب الهيكل» الذى يزعمون حدوثه مرتين: الأولى سنة ٥٨٦ قبل الميلاد على أيدى البابليين، والثانية سنة ٧٠ بعد الميلاد على يد الرومان، وجاءت الاقتحامات، التى بدأت الأربعاء الماضى، تلبية لدعوات جماعات متطرفة معروفة باسم «جماعات الهيكل»، حثت الإسرائيليين على التواجد فى المسجد بشكل مكثف فى ذكرى «خراب الهيكل»، بزعم توجيه رسالة إلى العالم عن أحقيتهم فى المكان.

طبقًا لما جاء فى بيان أصدرته دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، فإن ١٦٥ مستوطنًا بينهم أورى أرئيل، وزير الزراعة الإسرائيلى السابق، اقتحموا المسجد، من جهة باب المغاربة، ونظموا جولات استفزازية فى ساحاته، تحت حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية، وأضاف البيان أنهم حاولوا «أداء طقوس تلمودية فى باحات الأقصى، ما أثار غضب الحراس والمصلين».

ما جرى فى المسجد الأقصى، وصفته الخارجية الأردنية، فى بيان، بأنه تصرف عبثى غير مسئول ومرفوض، يمثل استفزازًا لمشاعر المسلمين فى أنحاء العالم، وانتهاكًا سافرًا لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال وفقًا للقانون الدولى، وحذرت الوزارة من مغبة استمرار هذه الانتهاكات، وطالبت بوقفها، وباحترام الوضع القائم التاريخى والقانونى، مشددةً على أن المسجد الأقصى هو مسجد خالص للمسلمين بكامل مساحته، وأن إدارة أوقاف القدس وشئون المسجد الأقصى الأردنية هى السلطة الحصرية المسئولة عنه وعن تنظيم الدخول إليه والإشراف على شئونه، وطالبت المجتمع الدولى بالقيام بمسئولياته، والتحرك للضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات المخالفة للوضع القائم والقانون الدولى.

المملكة الأردنية هى صاحب الحق فى الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس المحتلة، وفق اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين سنة ١٩٩٤، غير أن الإسرائيليين، بحسب السلطة الوطنية الفلسطينية، يخططون لتغيير الوضع القائم فى المسجد عبر تقسيمه زمانيًا ومكانيًا مثلما فعلوا فى الحرم الإبراهيمى، الذى قسموه إلى نصفين، ويمنعون المسلمين من الوصول إليه فى أيام محددة، ومع قيام القناة السابعة الإسرائيلية بعرض مجسم لما يسمى «الهيكل الثالث» تأكدت الرغبات العدوانية التى تستهدف المسجد وتخطط لإقامة «الهيكل» المزعوم على أنقاضه.

هذا المجسم جزء من مخطط اليمين الإسرائيلى المتطرف، لتهويد المدينة المقدسة، والتمهيد لهدم المسجد المبارك. وكان شر البلية، الذى هو عادة مضحك، أن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، ربط ما وصفه بـ«إحياء آيا صوفيا من جديد» بعودة الحرية للمسجد الأقصى، زاعمًا أن تلك الحماقة، حماقة تحويل كنيسة إلى مسجد، هى «أفضل ردّ على الهجمات الشنيعة التى تستهدف قيمنا الرمزية فى كافة أنحاء المناطق الإسلامية»!.
مع ذلك، لم يصدر أى رد فعل تركى رسمى بشأن الانتهاكات والاقتحامات الإسرائيلية، كما لم يلتفت أردوغان وغلمانه إلى النداء، الذى أطلقته منظمات مجتمع مدنى تركية، أمس الأول الخميس، طالبت فيه الأمة الإسلامية، والعالم كله، بحماية مدينة القدس والمسجد الأقصى والآثار المقدسة بالمدينة، من ممارسات الاحتلال الإسرائيلى: منظمة أنقرة للمجتمع المدنى، منظمة كلنا مريم، منظمة القدس أمانتى، منظمة الإرادة الوطنية، واتحاد الفلسطينيين فى تركيا.

وتبقى الإشارة إلى أن الأتراك أدوا صلاة العيد، لأول مرة منذ ٨٦ سنة، فى كنيسة «آيا صوفيا» بعد تحويلها إلى مسجد، ما أثار الكثير من الانتقادات الدولية ضد أنقرة، خاصة، أن خطبة العيد ألقاها المدعو على أرباش، رئيس الشئون الدينية التركية، الذى سبق أن صعد على منبر الكنيسة أو المسجد، الأسبوع الماضى، وهو يحمل سيفًا ظل ممسكًا به طوال إلقائه الخطبة!.