رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رقصة ألمانية مع الذئاب التركية!



ما كان يحدث فى الخفاء صار علنيًا. وقامت الخارجية الألمانية بتعيين نورهان سويكان، القيادية فى منظمة «الذئاب الرمادية» التركية الإرهابية، فى منصب رفيع. ما وصفته وسائل إعلام ألمانية مستقلة، بأنه «اختراق مخابراتى تركى» لواحدة من أهم وزارات الحكومة الاتحادية.
الأتراك، باعتراف بعضهم أو طبقًا لمزاعمهم، ليسوا بشرًا. وتقول إحدى أساطيرهم إن أسلافهم تعرّضوا لهجوم عنيف أبادهم جميعًا، باستثناء طفل واحد هرب إلى الغابة، واعتنت به ذئبة رمادية، تزوجها حين كبر، وأنجب منها ١٢ طفلًا، أنصاف بشر وأنصاف ذئاب. وإلى هؤلاء، ينسب مَن يوصفون بالقوميين الأتراك أنفسهم، والعرق التركى كله، واختاروا لمنظمة أسسوها، منتصف ستينيات القرن الماضى، اسم «الذئاب الرمادية»!.
طبقًا لتقرير أصدره البرلمان الألمانى، فى ٩ نوفمبر ٢٠١٨، فإن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يدعم تحالفًا من المتطرفين، داخل ألمانيا، يضم جماعة الإخوان وحركة «ميللى جورش»، ومنظمة «الذئاب الرمادية». وهناك وثيقة برلمانية ألمانية أخرى، صدرت فى ٣ يوليو ٢٠١٥، أكدت أن تلك المنظمة تعاونت مع تنظيم «داعش»، لدرجة أن عددًا من أعضائها لقوا مصرعهم خلال قتالهم مع ذلك التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق.
عمليات إرهابية، بلا عدد، ارتكبتها هذه المنظمة. وقامت باغتيال مفكرين، سياسيين، رجال دين مسيحى، وقيادات من قوميات مختلفة. وطبقًا لتقارير رسمية تركية، فقد قامت «الذئاب الرمادية» بين عامى ١٩٧٤ و١٩٨٠ بارتكاب ٦٩٤ جريمة، أسفرت عن مقتل ستة آلاف شخص. قيل إن بعض تلك الجرائم تم بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وبعضها الآخر، كان بدعم حكومى تركى سرى، قبل أن يصبح علنيًا، بتحالف حزب «العدالة والتنمية الحاكم»، مع حزب «الحركة القومية»، الذى تنتمى إليه تلك المنظمة وتوصف بأنها جناحه العسكرى.
منذ عامين، أنشأت الخارجية الألمانية قسم «الدين والسياسة الخارجية»، لتمثيل مصالح المجتمعات الدينية. وعليه، لم يكن منطقيًا أن يتم تعيين ذئبة رمادية كبيرة، فى هذا القسم، إلى جانب عملها مستشارة للوزارة فى القضايا التى تخص المسلمين. بينما يعرف القاصى والدانى، وموقع «سيسرو» الألمانى، أنها «لا تمثل المسلمين الألمان، بل التنظيمات المتطرفة». كما انتقد عدد من البرلمانيين، هذا الاختيار، من بينهم كريستوف دى فريس وماتياس ميدلبرج، النائبان عن الاتحاد المسيحى الحاكم، مؤكدين أن منظمة «الذئاب الرمادية» معادية للدستور الألمانى، ولا يجب أن يعمل مسئولوها فى أى مؤسسات ألمانية. علامات استفهام كثيرة تحيط بتعيين نورهان سويكان، حسب موقع «فرى فيلت»، الذى أشار إلى أنها كانت من أشد المعارضين لاعتراف البرلمان الألمانى بأن المذابح العثمانية ضد الأرمن، كانت إبادة جماعية. ووصف الموقع الإخبارى الألمانى المستقل منظمة «الذئاب الرمادية» بأنها إحدى أذرع أردوغان لنشر العنف والفوضى والتطرف فى أوروبا.
المنظمة الإرهابية، التى توصف على سبيل التدليل أو «الدلع» بأنها «قومية متطرفة»، صنفها المؤرخ السويسرى دانييل جانسر ضمن «جيوش الناتو السرية»، فى كتابه الذى حمل هذا العنوان. وهناك تقرير أصدره مركز «جلوبال سكيورتى» للبحوث العسكرية، سنة ٢٠١٦، أكد أن المخابرات الأمريكية، استخدمتها فى الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتى. وكان طريفًا وظريفًا، أن يشير هذا التقرير إلى عمل تلك المنظمة فى تجارة المخدرات، مستغلة دعم وحماية الحكومة التركية، مقابل القضاء على خصومها السياسيين، داخل تركيا وخارجها.
مؤسس المنظمة، ألب أرسلان توركيش، كان ضابطًا فى الجيش التركى. وخدم فى واشنطن، بين عامى ١٩٥٥ و١٩٥٨، ضمن قوات حلف شمال الأطلسى «ناتو». وبدعم من المخابرات الأمريكية، تزايد نفوذه فى الجيش التركى، بعد عودته إلى أنقرة، ولعب دورًا كبيرًا سنة ١٩٦٠ فى الانقلاب على عدنان مندريس، رئيس الوزراء الأسبق. وخوفًا من تزايد نفوذه بعد الانقلاب، تم إبعاده إلى الهند ملحقًا عسكريًا للسفارة التركية. لكنه فور عودته، خطط لانقلاب عسكرى، فى مايو ١٩٦٣، جرى اعتقاله بعد فشله، واضطرت السلطات التركية إلى إطلاق سراحه بزعم عدم كفاية الأدلة، ليقوم سنة ١٩٦٥ بتأسيس حزب «الحركة القومية»، مع جناحها العسكرى، منظمة «الذئاب الرمادية»، وأنشأ نحو ١٠٠ معسكر، لتدريب عناصرها على القتال.
غير مشاركتها فى الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين فى قبرص، قاتلت «الذئاب الرمادية» فى حربى الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وشاركت إلى جانب أذربيجان فى حربها ضد أرمينيا، كما ساندت تتار شبه جزيرة القرم. وسنة ٢٠١٥، قتلت ١٩ شخصًا وأصابت ١٢٣، فى العاصمة التايلاندية بانكوك، ردًا على ترحيل مجموعة من الأويجور إلى الصين.
الذئاب التركية الرمادية، التى ترقص معها، الآن، الحكومة الاتحادية الألمانية، بشكل علنى، لعبت دورًا قذرًا فى الحرب التركية ضد سوريا، وتدعم التدخل التركى فى ليبيا، ليس فقط لأنها تهدف إلى استعادة المجد العثمانى الغابر، ولكن أيضًا بزعم أن بعض السوريين والليبيين، ينتمون إلى العرق التركى، أى أنصاف بشر وأنصاف ذئاب!.