رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَن يتآمر على تونس؟



السؤال، العنوان، بات طرحه واجبًا بعد أن قال الرئيس التونسى قيس سعيد، إن «مَن يتآمر على الدولة ليس له مكان فى تونس». وبعد أن تعهد باستخدام القوة فى مواجهة «كل من يتعدى على الدولة التونسية، ومَن يفكر بأن يتعدى بشكل من الأشكال على الشرعية من الخارج أو الداخل». والأهم، بعد أن أدخل سعيد «المؤسسة العسكرية» طرفًا فى الموضوع، وأعرب عن ثقته الكاملة فى تصديها للمؤامرات، التى قال إنها تُحاك بالخارج.
الرئيس التونسى يقود الآن مشاورات مع الأحزاب السياسية والكتل النيابية، للاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة، بعد استقالة إلياس الفخفاخ، الذى اتهم «حركة النهضة» وحزب «قلب تونس» و«لوبيات فساد» بالوقوف خلف إسقاط حكومته. وبالتزامن مع تشديد الأول على أنه لن يقبل أن تكون بلاده مرتعًا للإرهابيين أو للعملاء المتآمرين مع الخارج، أكد الثانى، أيضًا، أن المتآمرين مع الخارج يتربصون بتونس، وحذر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد ومن خطر الإفلاس الذى يهددها.
كلام سعيد ورئيس حكومته المستقيل، حمل ردًا ضمنيًا على تهديد «حركة النهضة»، عبر متحدثها الرسمى، بزعزعة استقرار البلاد، حال استبعادها من الحكومة المقبلة. ولعلك تعرف أن تونس شهدت موجة من الاغتيالات وقت ركوب الإخوان للرئيس الأسبق منصف المرزوقى، كان أبرز ضحاياها شكرى بلعيد ومحمد البراهمى. وطبقًا لما أعلنته هيئة الدفاع عن الشهيدين، أمس، فقد أثبتت التحقيقات أن حركة النهضة، كانت تقف وراء تلك الاغتيالات.
منذ أسابيع، تعيش تونس أزمة سياسية مزدوجة. إذ تسعى كتل نيابية مختلفة لسحب الثقة من راشد الغنوشى، رئيس البرلمان، زعيم «حركة النهضة»، بعد أن «طفح الكيل» من تجاوزه صلاحياته ومن تحركاته «المشبوهة»، و«لوجود تداخل بين نشاطه الحزبى ومسئولياته البرلمانية». ومنتصف الشهر الجارى، تقدم رئيس الحكومة، باستقالته، بعد أن بدأت الحركة الإخوانية مساعيها لسحب الثقة منه. ثم عرفنا، أمس، أن الفخفاخ رفض، قبل أسبوعين من استقالته، صفقة أرادت بها الحركة إدخال أطراف فى الحكومة، مقابل استمراره فى منصبه.
فى تصريحاته الأولى منذ إعلان استقالته، كشف الفخفاخ عن تلك الصفقة، أو المساومة، وقال لإذاعة «إكسبريس» التونسية، إن حركة النهضة «تعتبر الحكم غنيمة وولاءات وامتيازات ولا تهتم بمصلحة البلاد». كما اتهم أطرافًا أخرى بأنها «ترغب فى الانتفاع بشبكة المصالح على غرار حزب قلب تونس وأطراف غير مرئية لها نفوذ فى قطاعات مختلفة، مثل الاقتصاد الموازى والتهريب». وأكد رئيس الحكومة المستقيل أن كل تلك الأطراف «التى لا يعنيها سوى مصالحها الشخصية والحزبية» توحدت من أجل إسقاط الحكومة.
تغليب الإخوان، كعادتهم، مصلحة الجماعة على مصلحة الدولة التى يحملون جنسيتها، جعل «حركة النهضة» التونسية، تضبط توجهاتها، مواقفها وقراراتها على البوصلة التركية أو القطرية، وربما الإسرائيلية. والربط هنا ضرورى وواجب بين حالة الأزمة السياسية التى تشهدها تونس وبين قيام تركيا، بإرسال حوالى ٢٥٠٠ داعشى تونسى، كانوا فى الأراضى السورية، إلى ليبيا، وفقًا لما تضمنه تقرير حديث أصدره المرصد السورى لحقوق الإنسان.
كانت أحزاب تونسية قد دعت الرئيس قيس سعيد إلى استدعاء السفير التركى لسؤاله بشأن نقل الإرهابيين إلى ليبيا عبر تونس وعن دور بعض الأطراف السياسية التونسية فى ذلك. وهناك اتهامات واضحة لـ«حركة النهضة» بالتنسيق مع النظام التركى، لتسهيل تدفق الإرهابيين، فى الاتجاهين: من تونس إلى ليبيا والعكس. وفى تصريحات نقلتها وكالة أنباء تونس إفريقيا الرسمية، أعلن عماد الحزقى، وزير الدفاع التونسى، يوم الجمعة الماضى، أن بلاده ضاعفت «الحيطة والحذر»، بعد أن رصدت تصاعد وتيرة محاولات التسلل من ليبيا.
وزير الدفاع التونسى شدّد على أن أى محاولات للتسلل «سيتم التصدى لها بكامل الصرامة والحرفية، خاصة أن المناطق الحدودية مناطق عسكرية عازلة، ويسمح فيها القانون للجيش باستعمال كل الوسائل من أجل التصدى لمثل هذه الظواهر». واللافت، أن ٤٨ ساعة لم تمر على تلك التصريحات، حتى أعلنت وزارة الداخلية التونسية، عن إلقاء القبض على إرهابى تابع لتنظيم داعش كان يخطط لاستهداف وحدة أمنية. كما أعلنت إدارة مكافحة الإرهاب بالحرس الوطنى التونسى، الأربعاء، عن تفكيك خلية إرهابية خططت لاستهداف منشآت أمنية ودوريات.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر تواجه، أيضًا، تحديات وتهديدات، غير أننا مستمرون «فى تنفيذ رؤية استراتيجية شاملة لبناء وطن متقدم»، كما تعهّد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته بمناسبة ذكرى ثورة ٢٣ يوليو، التى أوضح فيها أن «التهديدات التى تواجه أمننا القومى تجعلنا أكثر حرصًا على امتلاك القدرة الشاملة والمؤثرة»، وشدّد على أن عقيدتنا مبنية على احترام الآخر وبذل كل الجهود الممكنة لمنع نشوب الصراعات، لكننا قادرون، وقت الحاجة، على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية حقوقنا ومكتسباتنا وتأمين حاضرنا ومستقبلنا.