رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يكره الإخوان ثورة يوليو؟


جماعة الإخوان الإرهابية، التى تتنفس كذبًا، حين أمِنت عواقب الصدق، فى ظرف تاريخى لن يتكرر، وضعت اعترافًا مهمًا، على لسان محمد مرسى العياط، فى الذكرى الستين لثورة ٢٣ يوليو، نرى أنه يصلح لجامًا لكل الإرهابيين وأتباعهم ومركوبيهم، الذين اعتادوا الهجوم على الثورة وزعيمها، كلما حلّت ذكراها، ودون مناسبة أحيانًا.
خدعوك فقالوا إن الإخوان كان لهم دور فى ثورة يوليو، قبل أن ينقلبوا عليها. وكذبوا حين زعموا أن جمال عبدالناصر أبلغ حسن الهضيبى، مرشد الإخوان، بموعد تحرك الضباط الأحرار، وحصل على مباركته. فى حين ينسف تلك الخديعة وهذا الزعم، استدعاء حسن عشماوى، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان، صباح يوم ٢٣ يوليو إلى مبنى القيادة العامة، ومحاولة عبدالناصر إقناعه، بأن تصدر الجماعة بيان تأييد للثورة، والذى قوبل بطلب مهلة حتى يعود المرشد العام من المصيف بالإسكندرية. وعليه، لم يصدر بيان تأييد الإخوان المقتضب للثورة إلا فى ساعة متأخرة من يوم ٢٧ يوليو ١٩٥٢ بعد أن كان الملك فاروق قد غادر البلاد.
المهم، هو أن الأقدار شاءت أن تحل الذكرى الستون لثورة ٢٣ يوليو، سنة ٢٠١٢، ومصر تحت حكم الإخوان. وفى لحظة صدق نادرة ابتلعت الجماعة كل الأكاذيب التى ظلت ترددها، طوال السنوات الستين، ووضعت هذا الاعتراف فى خطاب ألقاه الرئيس المعزول: «إنّ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كانت لحظةً فارقةً فى تاريخ مصر المعاصر، أسست الجمهورية الأولى التى دعمها الشعب، والتف حول قادتها وحول أهدافها الستة، والتى لخصت رغبة الشعب المصرى فى تأسيس حياة ديمقراطية سليمة، وفى استقلال القرار الوطنى، ودعم عدالة اجتماعية للخروج من الجهل والفقر والمرض، ومن استغلال رأس المال والإقطاع».
قبل قيام ثورة يوليو، كانت علاقة الإخوان بالقصر فى أحسن حالاتها، بعد تولى حسن الهضيبى منصب المرشد العام، خلفًا لحسن البنا، وعودتهم للعمل السياسى فى ١١ سبتمبر ١٩٥١، وإلغاء قرار الحظر الذى أصدرته حكومة محمود فهمى النقراشى، فى ٨ ديسمبر ١٩٤٨، والذى ردت عليه الجماعة باغتيال النقراشى قبل مرور أسبوعين.
الهضيبى كان متزوجًا من شقيقة مراد محسن، ناظر الخاصة الملكية. وكان يخرج بعد كل لقاء له مع الملك فاروق ليقول: «زيارة كريمة لملك كريم». وترجم المذكور عمالته للقصر والإنجليز، بمباركة إقالة حكومة الوفد فى ٢٧ يناير ١٩٥١، ودعمه الحكومات الأربع التى توالت على الحكم خلال الأشهر الستة التالية: على ماهر، أحمد نجيب الهلالى، حسين سرى عامر، وحكومة نجيب الهلالى الثانية، التى قامت الثورة بعد تشكيلها بيومين.
المخابرات البريطانية أنشأت جماعة الإخوان، كما هو ثابت، سنة ١٩٢٨، غير أن الجماعة لم تصعد على المسرح السياسى إلا بعد معاهدة ١٩٣٦ عندما اشتد الصراع بين الملك وحزب الوفد. وخصصوا مؤتمرهم الرابع للاحتفال باعتلاء فاروق عرش مصر، واعتادوا أن يقفوا فى ساحة قصر عابدين فى المناسبات هاتفين: «نهبك بيعتنا وولاءنا على كتاب الله وسنّة رسوله».
وقتها كان على ماهر، رئيس الديوان الملكى، على علاقة قوية بحسن البنا، للدرجة التى دفعت عددًا من أعضاء الجماعة إلى توجيه إنذار لمرشدهم، طالبوه فيه بقطع تلك العلاقة، ردّ عليهم البنا بطردهم من الجماعة. وفوق ذلك، وطبقًا لما نشرته جريدة «البلاغ» فى ٢٠ ديسمبر ١٩٣٧، فإن زعيم الوفد مصطفى النحاس عندما اختلف مع القصر وخرجت الجماهير تهتف: «الشعب مع النحاس»، أخرج حسن البنا رجاله ليهتفوا: «الله مع الملك».
من مساخر القدر أن يصبح مجدى أحمد حسين بوقًا للجماعة، مع أن والده، زعيم حزب «مصر الفتاة»، كتب على صفحات جريدة الحزب، فى ١٧ يوليو ١٩٤٦، أن «حسن البنا أداة فى يد الرجعية، وفى يد الرأسمالية اليهودية، وفى يد الإنجليز وصدقى باشا». ومن المساخر أيضًا، أن يزور إسماعيل صدقى فور توليه رئاسة الوزارة، فى فبراير ١٩٤٦، مقر الجماعة فى الحلمية الجديدة، وأن يستقبله قيادات الجماعة بوصلات من النفاق الرخيص تجاوز فيها أحدهم كل الأسقف، حين قال: «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان رسولًا نبيًا».
الإخوان كانوا، بالفعل، أداة فى يد الاستعمار البريطانى، كما كانوا، وما زالوا، أداة فى يد الرأسمالية الصهيونية، وبتعاونهم مع هؤلاء وأولئك أقيمت قاعدة استعمارية فى الأراضى الفلسطينية، لتكون فاصلًا جغرافيًا يقطع اتصال الأراضى العربية. وبإضافة قواعد استعمارية أخرى فى تركيا، إيران، وقطر، تمددّت أنشطة الجماعة، وتمكنت عبر ميليشياتها الإرهابية من تخريب سوريا، نشر الإرهاب فى ليبيا، إسقاط اليمن، وتأجيج الخلافات المذهبية فى العراق ولبنان. وكادت تفعل ذلك كله فى مصر مرتين، لولا ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، التى كسرت شوكتها فى الأولى، وثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، التى حطمت أحلامها، ومخططات مستعمليها، فى الثانية.