رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخارجية.. والسفالة ألمانية



ما زالت وسائل إعلام ألمانية «حكومية» تعيد وتزيد فى قصة «الجاسوس المصرى» المجهول، الذى قيل إنه كان يعمل فى المكتب الإعلامى الاتحادى، والذى زعمت «هيئة حماية الدستور»، أو المخابرات الداخلية الألمانية، أنها اكتشفته، فى ديسمبر الماضى، دون أن تقدم دليلًا واحدًا يثبت أن تلك القصة حقيقية، وليست اتهامًا مرسلًا أو مجرد هلاوس.
إلى الآن، لا تخرج تلك المزاعم عن نطاق التشهير المتعمد، إذ إن المعلومة الوحيدة المؤكدة هى أن السلطات الألمانية لم تقم باحتجاز ذلك المجهول أو توجّه له أى اتهام، ما يعنى أن ما جاء فى تقرير «هيئة حماية الدستور» استند فقط إلى شكوك، فشلت الهيئة فى إثبات صحتها طوال ٨ أشهر تقريبًا، وعليه، يمكننا اتهام تلك الهيئة ووسائل الإعلام الألمانية الحكومية، بالعمل لصالح دول معادية لبلادها، وإلا ما قامت، دون سند أو دليل، بالتشهير بدولة صديقة.
منذ ظهرت تلك القصة، فى ٩ يوليو الجارى، انتظرنا أن تقوم الخارجية المصرية باستدعاء السفير الألمانى، لسؤاله عن حقيقة ذلك «الجاسوس» المزعوم. واليوم، بات استدعاء ذلك السفير ضروريًا، لسؤاله، أيضًا، عن سر هذا الاهتمام المُبالغ فيه بتلك القصة «الوهمية» من وسائل إعلام ألمانية، تمولها الخزانة الاتحادية، خاصة، بعد أن اتهمت إحداها «الدبلوماسيين المصريين»، إجمالًا، بأنهم يقومون بأنشطة مخابراتية ويحاولون تجنيد جواسيس.
الموجة الألمانية، أو دويتشه فيلة، «DW»، الممولة من الخزانة الاتحادية، خلعت كل ملابسها، مع برقع الحياء، ونشرت تقريرًا، أمس الإثنين، زعمت فيه أن «أجهزة الاستخبارات المصرية» تتمتع «بسمعة غير جيدة فى الخارج»، وأن «شهادات قدمت إلى DW» كشفت عن قيام «المسئولين الحكوميين والدبلوماسيين والعملاء المصريين» بتوثيق «عمل نشطاء» و«يمارسون ضغوطًا على المنشقين خارج البلاد، ويحاولون تجنيد جواسيس». وفوق ذلك، جاء فى التقرير أن نشاط «أجهزة الاستخبارات المصرية» اكتسب «دفعة قوية بعد الانقلاب الذى أطاح بالرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى عام ٢٠١٣، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا».
اتهامات مرسلة، تشهير متعمد، وبأموال الشعب الألمانى، جرى وصف ثورة ٣٠ يونيو بأنها «انقلاب»، وردّدت الوسيلة الحكومية أكذوبة «أول رئيس منتخب ديمقراطيًا»، التى تنفيها الانتخابات الرئاسية، التى شهدتها مصر فى ٢٠٠٥، وتنافس فيها أكثر من ١٠ مرشحين، أما «الشهادات» المزعومة، فكانت عبارة عن كلام فارغ قاله اثنان فقط: الأول اسمه إلياس صليبا، جرى وصفه بأنه «الباحث فى حقوق الإنسان والديمقراطية فى المعهد الدولى للسياسات فى برلين «GPPi»، والثانى هو عمرو خليفة، الذى وصفوه بأنه صحفى مصرى مقيم فى الولايات المتحدة، وقاموا بترقيته فى فقرة أخرى إلى «الصحفى والمحلل السياسى».
اسم إلياس صليبا، يوحى بأنه من أصول لبنانية، لو جاز أن تكون له أصول، وقبل انضمامه إلى «GPPi»، عمل مع منظمة العفو الدولية، وفى المعهد الألمانى للسياسة الخارجية والأمنية، أما كلامه الفارغ، الذى لا يصفه بأنه «شهادة» إلا جاهل أو عبيط، فلم يكن أكثر من استنتاج: «مع وصول معارضين ومنتقدين للنظام فى مصر إلى أوروبا، منذ الانقلاب العسكرى، يبدو أن الحكومة المصرية كثفت جهود عمليات المراقبة والتضليل لمواجهة الأصوات الناقدة لها فى الخارج»، أما المدعو عمرو خليفة، فلم نجد أثرًا لممارسته الصحافة أو التحليل السياسى، إلا فى صحف ومواقع إلكترونية تحت مستوى الشبهات.
تقرير «DW» ذكر أن المدعو خليفة «استشهد بحالات حاول عملاء أجهزة الاستخبارات المصرية التدخل فيها فى حياته»، لكننا لم نجد غير واقعتين، تشككان فى قواه العقلية. إذ زعم أنه منذ خمسة أعوام، توجه نحوه «أحد العملاء» بعد «أمسية عشاء لطيفة جدًا»، وقال له بهدوء: «عبدالفتاح يقول لك اسبح بهدوء كى لا تغرق»، وكانت الواقعة الثانية، التى ساقها المذكور هى حضور رجال من السفارة المصرية «محاضرة كان يلقيها مع المؤرخ المصرى خالد فهمى حول طالب الدراسات العليا الإيطالى جوليو ريجينى».
إذاعة صوت ألمانيا، الموجة الألمانية، أو دويتشه فيلة، «DW»، التى تمولها الخزانة الاتحادية، هى التى تتحمّل، إذن، مسئولية اتهام «الدبلوماسيين المصريين» بالقيام بأنشطة مخابراتية وبمحاولة تجنيد جواسيس، وقطعًا، سيعجز الأستاذ سيريل جان نون، السفير الألمانى بالقاهرة، حال استدعائه، عن تبرير أو تفسير ذلك العداء السافر، الذى تتعامل به أجهزة بلاده ووسائل إعلامها الحكومية مع مصر، التى من المفترض أنها صديقة، وتُعد شريكًا استراتيجيًا مهمًا لألمانيا.
اللغز الأكبر، هو عدم تحرك سفارتنا فى برلين، ضد هذه السفالة المتكررة، وعدم اتخاذها الإجراءات القانونية اللازمة، الواجبة، أو الحتمية، أما صمت أو موت «الهيئة العامة للاستعلامات»، فيجعلنا نطالب رئيسها، وهذا أضعف الإيمان، بفتح هذا الملف فى برنامجه التليفزيونى، الذى يقدمه على قناة غير مصرية، ولا نعتقد أن الدولة الشقيقة، المالكة للقناة، ستمانع أو سـ«تقطع عيشه»، لو فعل ذلك.