رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس.. لعنة الإخوان



الصفعات التى يتلقاها «إخوان تونس»، فى الحكومة أو تحت قبة البرلمان، مهمة طبعًا ومفرحة. لكنها ليست بأهمية التعقيدات، التى تتلاحق فى المشهدين السياسى والاقتصادى التونسى، بسبب تغليب الإخوان، كعادتهم، لمصلحة الجماعة على مصلحة الدولة، التى يحملون جنسيتها.
راشد الغنوشى، رئيس البرلمان التونسى، رمز، قائد، وزعيم حركة «النهضة» الإخوانية، حاصرته الانتقادات، الهجمات، والاتهامات بعد أن صار يلعب على المكشوف. وخلال أقل من سنة على انتخابه رئيسًا للبرلمان، خضع لجلستى مساءلة بسبب تحركاته الخارجية فى محيط الدول الداعمة لـ«الإخوان» وبسبب «تجاوزاته الخطيرة وأدواره المشبوهة وارتباطاته بالتنظيمات الإرهابية فى ليبيا» ومحاولاته الزجّ بالبلاد فى لعبة المحاور. وخلال تلك السنة تعمقت خلالها الأزمة السياسية، وتوسعت دائرة الخلافات والصراعات، ما دفع أكثر من ثلث عدد النواب إلى بدء إجراءات سحب الثقة من المذكور بعد أن «طفح الكيل» من ممارساته وتحركاته «المشبوهة»، و«لوجود تداخل بين نشاطه الحزبى ومسئولياته البرلمانية».
بخطوتين فوق الأرض وواحدة تحتها، نجح «إخوان تونس» فى إفساد غالبية مؤسسات الدولة، واستطاعوا تسميم المناخ السياسى. وتأسيسًا على ذلك، أو انطلاقًا منه، بدأت ثلاث كتل برلمانية إجراءات سحب الثقة من الغنوشى: الكتلة الديمقراطية،٤٠ مقعدًا، كتلة «تحيا تونس» ١٤ مقعدًا، وكتلة الإصلاح الوطنى، ١٥ مقعدًا، والكتلة الوطنية ٩ مقاعد. وتم بالفعل تقديم عريضة لسحب الثقة، تحمل توقيعات أكثر من ٧٣، أى أكثر من ثلث عدد المقاعد، اللازم لطرح الأمر على الجلسة العامة، بينما يتطلب سحب الثقة ١٠٩ أصوات، من أصل ٢١٧، أى النصف زائد واحد.
بالتزامن، كانت الأزمة بين «حركة النهضة» وإلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة، قد وصلت إلى محطتها الأخيرة، بعد أقل من خمسة أشهر على بدء عمل الحكومة. واستباقًا لقيام الحركة بسحب الثقة من الحكومة، تقدم الفخفاخ باستقالته. ومع إعلان الرئاسة التونسية عن قبول للاستقالة، قام الرئيس التونسى بتوجيه رسالة إلى رئيس البرلمان، لإعلامه بقائمة الأحزاب والكتل البرلمانية، المعنية بالمشاورات السياسية من أجل اختيار مرشح جديد لتشكيل الحكومة الجديدة.
استقالة الفخفاخ، التى تعنى استقالة الحكومة، رمت الكرة فى ملعب الرئيس قيس سعيد، الذى من المفترض أن يقوم، طبقًا للدستور، بتكليف رئيس الحكومة الجديد. فى حين كان مجلس النواب هو من سيختاره لو تم سحب الثقة من الحكومة، إذ إن دستور ٢٠١٤ اشترط لسحب الثقة من الحكومة «موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئاسة الحكومة، يُصادق على ترشيحه فى نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة».
الرئيس التونسى هو الذى اختار الفخفاخ لتشكيل الحكومة بعد عدم نيل مرشح الإخوان، ثقة البرلمان فى يناير الماضى. وقبل استقالته، اتهم الفخفاخ «حركة النهضة» بـ«تأليب الرأى العام وتضليله». وقال إن دعوات تغييره «تخل بمبدأ التضامن» وتعد «تهربًا من حركة النهضة تجاه التزاماتها وتعهداتها مع شركائها فى الائتلاف فى خضم مساع وطنية لإنقاذ الدولة واقتصاد البلاد المنهك». كما حمّل الحركة مسئولية «ضرب الاستقرار الحكومى»، وتعهد بإجراء تعديل وزارى لإبعاد وزرائها. وبعد ساعات من تقديمه استقالته، وبصفته رئيسًا لحكومة تسيير الأعمال، قام بإعفاء وزراء الحركة الستة، وأوكل مهامهم، بالنيابة، إلى عدد من الوزراء الباقين.
هذه الخطوة قوبلت باستهجان من حركة النهضة، ووصفت إعفاء وزرائها الخميس بأنه «عبث بالمؤسسات»، و«ردة فعل متشنجة»، بزعم أنه يلحق الضرر بمصالح المواطنين والمصالح العليا للبلاد، ويعطل المرفق العمومى، خاصة فى قطاع الصحة. وقالت الحركة، فى بيان، إن هذه المرحلة تقتضى إدارة حوار ومشاورات بين مختلف الأطراف السياسيّة والاجتماعيّة، من أجل تشكيل حكومى يجسد الوحدة الوطنية، وقادر على مجابهة التحديات الصعبة التى تواجه البلاد.
الداخل التونسى يشهد شبه إجماع على ضرورة التصدى لسلوك الإخوان السياسى ورفض الاستسلام لسيطرة «حركة النهضة»، التى تضبط توجهاتها، مواقفها وقراراتها على البوصلة التركية أو القطرية. ومع ذلك، أعربت الحركة الإخوانية عن شكرها لوزرائها على أدائهم «المتميز» طيلة فترة مباشرة مهامهم. وطالبت (أو هدّدت) رئيس الجمهورية بتحمل مسئوليته كاملة لضمان استقرار المرفق العام، وتحييده عن التوظيف السياسى، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على غيرها من الاعتبارات. بينما يقول الواقع إن تلك الحركة الإخوانية تجاهلت مصالح تونس العليا والدنيا وسمحت بتدفق الإرهابيين للقتال ضد الجيش الوطنى الليبى!.
المؤسف، هو أن يحدث ذلك كله، فى الوقت الذى تتفاوض فيه تونس مع عدة دول، لإرجاء سداد أقساط الديون المستحقة هذا العام، وسط توقعات بوصول نسبة الانكماش إلى ٦٪، وزيادة نسبة البطالة إلى أكثر من ٢٠٪، ومع تصاعد الاحتقان والتوتر الاجتماعى، خاصة فى مناطق الجنوب، التى تشهد احتجاجات متواصلة على تردى الأوضاع المعيشية.