رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طبّاخ بوتين.. أساطير وعقوبات



بزعم تقييد نشاطه «المزعزع للاستقرار» العالمى، وتحديدًا فى السودان، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على رجل الأعمال الروسى يفجينى بريجوجين، المعروف إعلاميًا باسم «طباخ بوتين»، والذى يوصف بأنه أحد أهم مستشارى الرئيس الروسى، ويُقال إنه بات ذراعه الخفية، والقوية، فى تنفيذ المهام شديدة الخطورة، داخل روسيا وخارجها.
الخارجية الأمريكية ذكرت، فى بيان أصدرته، أمس الأول، أن العقوبات شملت كيانات مكّنت «بريجوجين» من الإفلات من عقوبات، من بينها فرع «مجموعة فاجنر» فى السودان، كما ذكر البيان أن «بريجوجين» قام بتمويل وكالة أبحاث الإنترنت الروسية المتهمة بمحاولة التدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الماضية، بالإضافة إلى «مجموعة فاجنر»، التى يُقال إن روسيا تستخدمها لتوسيع نفوذها السياسى والعسكرى فى سوريا وليبيا وغيرهما.
تلك هى المرة الثالثة التى تُدرج فيها الولايات المتحدة «بريجوجين» على قوائم العقوبات، إذ سبق أن أدرجته فى ديسمبر ٢٠١٦، لاتهامه بلعب دور فى الحرب على أوكرانيا، كما أدرجته سنة ٢٠١٧ بزعم قيامه بتمويل حملات الأخبار الكاذبة، عبر شبكات التواصل الاجتماعى، فى إطار التدخل الروسى، المزعوم، فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، أما العقوبات الجديدة، فترجع إلى اتهامه بدعم نظام الرئيس السودانى السابق عمر البشير، وزعم بيان الخارجية الأمريكية أن تلك العقوبات ستحد من محاولاته لإثارة الفوضى أو تقويض الإصلاحات الديمقراطية فى السودان!.
ما قد يجعلك تتشكك فى كل هذا الكلام، هو أن تلك العقوبات تزامنت مع إعلان مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، عن اعتزام بلاده تشديد العقوبات ضد مشروعات الطاقة الروسية، أما ما قد يجعلك تضرب أخماسًا فى أسداس، فهو أن نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى، طالبت، فى بداية الشهر الجارى، بأن تشمل العقوبات على روسيا، قطاعى المخابرات والدفاع، اللذين قالت إن إدارة الرئيس ترامب هى التى طلبت رفعهما من تشريع العقوبات السابق، على غير رغبة الحزبين، الجمهورى والديمقراطى!.
قبل أن يدخل الكرملين، ويصبح مسئولًا عن تنظيم حفلات استقبال الرئاسة الروسية، كان «بريجوجين» يمتلك أحد مطاعم الوجبات السريعة فى مدينة سانت بطرسبرج، ليننجراد سابقًا، مسقط رأسه ورأس الرئيس الروسى، ثم صار «متعهد أغذية» الجيش الروسى، ثم ظهرت تقارير إعلامية أمريكية وبريطانية، تزعم أنه أصبح متعهد حروب بوتين، وتنسب له أدوارًا استثنائية فى أوكرانيا، سوريا، ليبيا، والسودان، التى قيل إنه أرسل إليها مجموعات من المرتزقة لدعم البشير وأجهزة أمنه ومخابراته فى مواجهة الاحتجاجات التى أطاحت به!.
أساطير كثيرة تم تداولها حول هذا الرجل، وعادة ما يتم خلط المعلومات القليلة الحقيقية، أو شبه المؤكدة، بأخرى عبثية أو غير قابلة للتصديق، مثل معلومة امتلاكه شركة «ونكورد»، التى تنظم حفلات الاستقبال فى الكرملين، والخاضعة أيضًا للعقوبات الأمريكية، إذ ذكر تقرير لشبكة «سى إن إن»، أن لدى هذه الشركة قسمًا يحمل اسم «الاستفزازات»، مهمته فبركة واختلاق أخبار تثير الانقسامات فى الغرب، كما زعمت الشبكة الأمريكية أن مجموعة من العاملين فى هذه الشركة أجرت اتصالات بعدد من العاملين فى حملة ترامب، بهدف «تفكيك النظام السياسى الأمريكى وزرع الانشقاق داخل المجتمع»، ولا عزاء لأصحاب نظرية المؤامرة!.
انطلاقًا من هذا الزعم، أو من تلك الأسطورة، خرجت مزاعم أو أساطير أخرى عن امتلاك «بريجوجين» إمبراطورية إعلامية روسية، وصفتها تقارير أمريكية بأنها سلاح إعلامى فعال لنشر سياسات بوتين فى الداخل والخارج، وقيل إن وكالة أبحاث الإنترنت الروسية مرتبطة بتلك الإمبراطورية، وهى الوكالة التى اتهمتها هيئة محلفين أمريكية، فى ١٦ فبراير ٢٠١٨، بانتهاك القوانين، بقصد التدخل «فى الانتخابات والعمليات السياسية الأمريكية».
القانون الروسى يحظر إنشاء شركات عسكرية خاصة، غير أن موقع شبكة «إيه بى سى» التليفزيونية الأمريكية نشر، أواخر ٢٠١٨ تقريرًا عنوانه «جيش فلاديمير بوتين السرى»، جاء فيه أن شركة أو مجموعة تحمل اسم «فاجنر»، نشرت ٣ آلاف مقاتل فى سوريا، كما ذكر التقرير أن مقاتلى تلك الشركة يتولون حماية المنشآت النفطية والغازية، بموجب عقد قامت شركة النفط الحكومية السورية بتوقيعه، فى ٢٠١٨، مع شركة «إيفرو بوليس» الروسية، التى أشار التقرير إلى أنها واجهة لـ«مجموعة فاجنر»، وتعود ملكيتها، أيضًا، إلى يفجينى بريجوجين!.
لا توجد أى معلومات مؤكدة، أو رسمية، حول مجموعة «فاجنر»، لكن جريدة «واشنطن بوست» ذكرت، فى فبراير ٢٠١٨، أن المخابرات الأمريكية تعتقد «بصورة شبه مؤكدة» أن «بريجوجين» هو الذى يديرها، ومنذ ديسمبر الماضى، اعتادت وكالة «رويترز» أن تنقل عن مسئولين رفيعى المستوى فى الخارجية الأمريكية أن تزايد أعداد «مرتزقة فاجنر» فى ليبيا هو الذى غيّر طبيعة الصراع وزاده تفاقمًا، ما قد يوحى، ضمنيًا، بأن الإرهابيين والمرتزقة الذين يرسلهم الرئيس التركى، يلعبون «البلى»، ويحاولون تهدئة الصراع وردّه إلى طبيعته!.