رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آيا صوفيا.. تناقضات أردوغان وعبيده


منافقون وسفلة. وكنا قد سألنا «عبيد العثمانيين.. كفار أم مجانين؟»، حين وجدناهم يتفاخرون بجرائم ارتكبها العثمانيون، تحت راية «الخلافة الإسلامية»، كجريمة تحويل كنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد، وكان سبب توقفنا عند تلك الجريمة بالذات، فى ١٠ يونيو الماضى، هو أن الرئيس التركى كان قد تعهد بتكرارها، وتاجر بها سياسيًا، محليًا ودوليًا، ثم دفع نواب حزبه فى البرلمان، إلى رفض طلب بهذا الشأن!.
فعلًا، وليس قولًا، رفض نواب حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية الحاكم، فى ٩ يونيو، طلبًا تقدم به «حزب الخير» المعارض، لتحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد، ما دفع داود أوغلو، رئيس الوزراء التركى السابق، إلى إبداء دهشته من تناقض هذا الرفض، مع ما تعهد به الرئيس التركى، قبل أن يشير إلى أن أردوغان، نفسه، سبق أن وبّخ أحد من طلبوا منه إعادة فتح «آيا صوفيا» للصلاة، وحذره من الخوض فى هذه الألاعيب أو المكائد، وطالب داود أوغلو «السيد الرئيس» بأن يوضح سبب وصفه فتح «آيا صوفيا» للعبادة بأنه مكيدة، وبأن يشرح لهم كيف أفسدها.
بقليل من البحث، ستجد مقطع فيديو يرد فيه رجب طيب أردوغان، على أحد أنصاره، بعنف، ويقول إنه لا يفكر فى تغيير وضع «آيا صوفيا» ما دام هناك «صرح إسلامى عظيم آخر» فى إسطنبول شبه خاوٍ من المصلين، هو مسجد السلطان أحمد الذى يرجع بناؤه إلى القرن الـ١٧م، وأشار إلى أن المدينة فيها أكثر من ثلاثة آلاف مسجد. لكن فى ٢٩ مايو الماضى، حلت الذكرى ٥٦٧ لاحتلال إسطنبول، وظهر أردوغان فى متحف «آيا صوفيا» وقرأ سورة الفتح، ثم أعلن عن اتخاذ خطوات من أجل إعادة فتحه للعبادة مرة أخرى!.
المهم، هو أن أردوغان بعد أن دفع نواب حزبه إلى رفض القرار، انقلب مجددًا على نفسه، وقام بالتصديق على قرار لـ«المحكمة الإدارية العليا»، يقضى بتحويل «آيا صوفيا» إلى مسجد، والإشارة هنا مهمة إلى أن المحكمة نفسها كانت قد قضت بعكس ذلك فى ١٣ سبتمبر ٢٠١٨.
بغض النظر عن تلك التناقضات، التى تجعلك تعتقد أنك أمام خرابة، يقودها زعيم عصابة، إلا أن «عبيد العثمانيين» انطلقوا يدافعون عن جريمة تحويل الكنيسة، التى صارت متحفًا، إلى مسجد، زاعمين أن محمد بن مراد، محمد الثانى، أو محمد الفاتح، اشترى المبنى من ماله الخاص، مع أن أردوغان نفسه لم يجرؤ على ذكر تلك التخريجة أو هذا التبرير. ومع أن استطلاع رأى، أجراه مركز «متروبول» لبحوث الرأى العام، أظهر أن ٤٤٪ من الأتراك يعتقدون أن تحويل «آيا صوفيا» إلى مسجد، فى هذا الوقت بالذات، يستهدف صرف انتباه المواطنين عن المشكلات الاقتصادية فى تركيا، بينما قال ٢٦٪ إنهم غير مهتمين بالموضوع من الأساس.
فى كلمته التى نقلتها وكالة أنباء الأناضول، قال الرئيس التركى بالنص: «عندما فتح السلطان محمد الفاتح إسطنبول، حصل أيضًا على لقب الإمبراطور الرومانى، وبالتالى أصبح مالكًا للعقارات المسجلة باسم الأسرة البيزنطية، ووفقًا لهذا القانون، تم تسجيل آيا صوفيا باسم محمد الفاتح والوقف الذى أسسه، كما صدرت فى فترة الجمهورية نسخة رسمية من سند الملكية المعد بالأحرف الجديدة (التى تكتب بها التركية الحالية)، ليسجل وضعه القانونى بشكل رسمى».
هناك، أيضًا، تخريجة اخترعها راغب السرجانى، أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب جامعة القاهرة، عضو «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، المعروف باسم اتحاد القرضاوى أو «اتحاد علماء موزة»، وهو الآن يقيم بالولايات المتحدة، ففى مسجد دار السلام، فى أرلنجتون، شمال تكساس، ألقى خطبة فى ٦ يونيو ٢٠١٨، طرح فيها تخريجته، أو تسليكته، التى تلخصت فى أن «البلاد المفتوحة صلحًا، كالقدس، لا تُحوَّل كنائسها إلى مساجد، أما البلاد التى تُفْتَح عنوة، أى بالحرب، مثل القسطنطينيَّة، فإن المسلمين يملكون كل ما فيها، ومنها الكنائس، ولهذا يجوز للحاكم المسلم أن يُحَوِّل ما شاء من كنائس هذا البلد إلى مساجد»!.
تم بناء كنيسة آيا صوفيا فى القرن السادس الميلادى، وتحولت إلى مسجد فى القرن الخامس عشر، تحديدًا سنة ١٤٥٣، بعد سقوط القسطنطينية فى يد العثمانيين، وظلت مسجدًا لمدة ٤٨٠ سنة، قبل تحويلها إلى متحف سنة ١٩٣٤ خلال فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، وكان «تحريرها من مآذنها»، تحرير «آيا صوفيا»، أحد دوافع أو مبررات الإرهابى الأسترالى برنتون تارانت، الذى اعتدى منتصف مارس ٢٠١٩، على مسجدين فى نيوزيلندا.
المؤسف، هو أن جريمة محمد بن مراد، التى كررها أردوغان، تجبرنا على توجيه الشكر للإسرائيليين، من ديفيد بن جوريون، وأنت نازل، لأنهم لم يفعلوا بالمسجد الأقصى، ما فعله ذلك «الفاتح المزعوم»، وهذا الأحمق المأزوم، بكنيسة آيا صوفيا.