رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخابرات التركية.. الألمانية سابقًا!


بدهشة، بسخرية، أو بلا اهتمام، استقبل المصريون تسريب «هيئة حماية الدستور»، أو المخابرات الداخلية الألمانية، الذى زعمت فيه أنها اكتشفت وجود «جاسوس مصرى» فى محيط المتحدث باسم المستشارة الألمانية، والذى ما زلنا لا نعرف إلى الآن اسمه، جنسيته، أو أى معلومات عن طبيعة الدور لعبه والاتهامات الموجهة إليه.
مع ذلك، فوجئنا بالموقع العربى لهيئة الإذاعة الألمانية، دويتشه فيله، يزعم أنه «كانت هناك ردود فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى، لا سيما تويتر، من جانب المصريين»، مستندًا إلى تغريدات كتبها عدد من عبيد أردوغان، المقيمين فى تركيا، من عينة هيثم أبوخليل، القيادى الإخوانى، وعمرو عبدالهادى، الذى وصفه الموقع بـ«المعارض الليبرالى». إضافة إلى مقيمين فى ألمانيا، تحت رعاية وحماية المخابرات التركية: «أستاذ مساعد أدب ألمانى، فى جامعة ميونخ وقريبًا جامعة لندن»، وباحث أوفدته جامعته المصرية لدراسة الدكتوراه، وصار لاجئًا!.
كنا قد انتهينا، أمس، إلى أن وجود عملاء لكل أجهزة مخابرات العالم، فى ألمانيا، صار أمرًا طبيعيًا، عاديًا، ومتوقعًا. أما غير الطبيعى، أو المشكوك فيه، فهو نجاح المخابرات الألمانية، فى اكتشاف أحد هؤلاء العملاء، ما يرجّح انتهاء التحقيق مع «الجاسوس المصرى» المفترض، أو الوهمى، إلى لا شىء. واليوم، نضيف أن المخابرات التركية صارت، غالبًا، تسيطر على نظيرتها الألمانية، خاصة تلك الهيئة التى تم إنشاؤها سنة ١٩٥٠، لمواجهة التجسس الخارجى، ومكافحة التخريب، وعجزت عن حماية أهم المؤسسات الحكومية، بدءًا من البرلمان وليس انتهاءً بمكتب المستشارة أو تليفونها الشخصى.
كانت ميزانية تلك الهيئة ٢٣٠ مليون يورو، فى ٢٠١٥، وقفزت سنة ٢٠١٩، إلى ٤٢٠ مليون يورو، أى إلى الضعف تقريبًا، وفى مارس ٢٠١٩، تم تعديل قانون الهيئة، وصار متاحًا لموظفيها اختراق أجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة التكنولوجية، والتنصت على المحادثات التليفونية والرسائل الصوتية المشفرة، لكن يبدو أن المخابرات التركية هى التى استفادت من تلك التعديلات، بدليل أن محققين ألمان كانوا يراقبون جاسوسًا يعمل فى السفارة التركية، ورصدوا شرطيًا يقوم بتسليمه ملفًا، تبين أنه يتضمن عناوين وأرقام تليفونات معارضين أتراك فى برلين. والأكثر من ذلك، هو أن السلطات الألمانية اكتشفت بالصدفة أن أحد الدواعش الأربعة، الذين شاركوا فى هجوم استهدف مدينة دوسلدورف، كان يعمل لصالح المخابرات التركية.
الثابت هو أن أعداد العملاء الأتراك فى ألمانيا تزايد بشكل لافت، وتجاوز عددهم الـ٨ آلاف، كما نقلنا، أمس، عن إريك شميدت إينبوم، الخبير فى شئون المخابرات، ومؤلف كتاب «المخابرات التركية فى أوروبا». إضافة إلى مئات الجواسيس التابعين مباشرة للمخابرات التركية، والأئمة الأتراك، المنتشرين فى حوالى ألف مسجد، تابع لما يعرف بـ«ديتيب»، Ditib، أو الاتحاد الإسلامى التركى، ويلعبون دور الوسيط بين هؤلاء العملاء والمخابرات التركية.
طبقًا لما ذكره «إينبوم» فإن السلطات الألمانية تعرف أن لديها آلاف العملاء الأتراك، لكنها لا تبذل جهدًا لملاحقتهم. غير أن الرجل لا يرجع ذلك إلى سيطرة المخابرات التركية على نظيرتها الألمانية، بل إلى العلاقات الجيدة بين الجانبين، موضحًا: «منذ ثمانينيات القرن الماضى، تقوم المخابرات الألمانية الداخلية بتمرير معلومات للمخابرات التركية عن معارضين، على رأسهم أعضاء حزب العمال الكردستانى. وتقليديًا كانت العلاقات جيدة جدًا، والتعاون كان كبيرًا بين جهازى المخابرات التركى والألمانى».
ما يدعم فكرة السيطرة ويستبعد صيغة التعاون أو العلاقات الجيدة، هو أن البرلمانية الألمانية ميشيل مونتفيرنج، النائبة عن الحزب الاشتراكى الديمقراطى، اتهمت تركيا بالتجسس عليها، فى ٢٩ مارس ٢٠١٧، وقالت إن الحكومة التركية «تخطت الحدود بكل وضوح». ولم تستطع الشرطة الاتحادية أن تفعل شيئًا، غير أنها حذرت أعضاء البرلمان (البوندستاج)، فى ٢٨ يونيو ٢٠١٧، من تجسس المخابرات التركية عليهم، ومن أنهم قد يواجهون مخاطر أمنية!.
بهذا الشكل يمكننا تفسير عجز «هيئة حماية الدستور» عن حماية مؤسسات الدولة التى توصف بأنها «قاطرة الاتحاد الأوروبى» أو القوة الاقتصادية الأكبر فى القارة العجوز. كما يمكننا استنتاج كيف صارت ألمانيا ملعبًا مفتوحًا لعملاء أردوغان، والكلام نفسه ينسحب على جهاز المخابرات الخارجية، الذى تم الإعلان منذ أيام، تحديدًا فى ٢٦ يونيو الماضى، عن إنتاج أول مسلسل تليفزيونى يتناول كواليسه، توقعنا فشله، لأنه سيراعى، قطعًا، العلاقات مع الولايات المتحدة، و... و... وصولًا إلى العلاقات مع تركيا وقطر، وطوب الأرض.
.. وأخيرًا، بات فى حكم المؤكد أن الضابط الذى يدير الإعلام الألمانى يلعب لصالح تركيا، ويقوم بتسخير الوسائل الناطقة بالعربية، الممولة من الخزانة الاتحادية، لخدمتها، ويكفى أن تتابع، مثلًا، الموقع العربى لـ«دويتشه فيله»، بقدر من التركيز، لتدرك أنه لا يختلف كثيرًا عن موقع يديره عبيد العثمانيين أو عملاء العائلة الضالة، التى تحكم قطر بالوكالة.