رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جميل المغازي: أخرجت حلقة إحسان عبد القدوس ووزع أجره على العمال (حوار)

المخرج جميل المغازي
المخرج جميل المغازي

جميل المغازي.. أحد أبرز مخرجي البرامج في مصر،وأحد جنود التلفزيون المصري المجهولين، هو صانع الأضواء، وموجه الكاميرات نحو الجوانب الخفية في حياة نجوم الفن والأدب والرياضة في مصر، منذ نهاية فترة الستينات بعد إنهاء دراسة التصوير والإخراج في ألمانيا ليبدأ عصرًا جديدًا من البرامج في مصر، فكان حداثيًا في أفكاره وتقنيات وفنيات التصوير.

أخرج "المغازي" عشرات البرامج التليفزيونية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، فكان أحد صناع تراث "ماسبيرو"، أجرت "الدستور" هذا الحوار مع المخرج حول الإخراج، وعلاقته بنجوم الفن والأدب مثل نزار قباني ومحمد الموجي وبليغ حمدي، وفؤاد حداد، وكواليس أشهر حلقاته مع مفيد فوزي وسناء جميل التي يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا، وإلى نص الحوار:-

كيف نقرأ "كادرات" البرامج ونحكم عليها إذا كانت جيدة أو غير ذلك؟
هناك الكثير من المقومات والمعايير لقراءة "داكر"تصوير والحكم عليه إذا كان جيدًا ومريحًا أم لا، النقطة الأولى بالنسبة للمشاهد، تكون من خلال الضيف ومدى قربه للمشاهد فهذا عامل مهم خارج عن تقنيات صناعة برنامج، والنقطة الثانية تكون بالنسبة للإخراج فمن خلال الديكور وحركة الكاميرا داخل "اللوكيشن" مكان التصوير يمكن أن نحكم على البرنامج، فالبرنامج يختلف عن تصوير المسلسل فهو واقعي، لذلك تجد إحدى الكاميرات تظهر أمامك ولا بأس في ذلك، فهذا شيء من الواقعية، فهم لا يمثلون ويظهر ذلك في البرامج التي تُصور في مكان مُتسع مثل برنامج "معكم منى الشاذلي".

ومن جانب آخر بعض البرامج لا يميزها إلا الديكور فقطولا تجد شيئًا مميزًا غير الديكور، وللضوء أهمية كبيرة فالعمل كله يقوم على الضوء وكيفية توظيفه في مكانه الصحيح ودرجاته حتى يكون مريحًا لعين المشاهد، ويُظهر الضيف والمذيع، ونجد في كثير من البرامج تكرارًا لضيف معين كل ذلك يؤثر على البرنامج وحكم المشاهدة عليه، وأظن أن المشاهد يبحث عن التجديد والتنوع، وبالإضافة إلى كل ذلك ننظر إلى عدد الكاميرات أظن أن العدد المناسب من ثلاث إلى خمس كاميرات إذا زاد عن ذلك سيحدث تشتت للمشاهد، رغم ذلك عندما صورت حفلة عمرو دياب في بدايته كانت بكاميرتين، واحدة ثابتة والأخرى متحركة وكان التصوير موفقًا.
المذيع أحد أركان البرنامج، ومفيد فوزي كان تميمة في أغلب برامجك، كيف ترى العمل معه؟
"مفيد" شخص مريح جدًا مقارنة بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي عندما عمل معي مقدمًا للبرامج، في إحدى الحلقات كنت أصوره من الخلف فقام من مقعده وصاح غاضبًا بلهجته الصعيدية "أنا ما اتصورش من جفايا" فاقنعته بفكرتي وأن هذه مدرسة في التصوير، أما "مفيد" أثناء عمله تجده دقيقًا جدًا، ويعرف جيدًا ماذا يفعل ولا يتصرف بعفوية، ولديه ثقة في المخرج الذي يعمل معه، وهو أيضًا عنده ثقة في نفسه، فلا يهتم من أي زاوية يتم تصويره، فلا يسأل المخرج عن زاوية معينة، بعكس الكثيرين من مقدمي البرامج، فهو لا يهتم إلا بعمله فقط، وأظن أن "مفيد" يليق بالبرامج التي تعاونا خلالها معًا، فهو عقلية جيدة.

لماذا ظهر مفيد بظهره في كثير من برامجك؟
التصوير مدارس كثيرة، وهذه إحدى المدارس التي يتم خلالها استخدام مقدم البرنامج على اعتبار أنه الصف الأول للمشاهد، وكأن المشاهد في سينما والمذيع يجلس أمامه ليدير الحوار مع الضيف والمشاهد في الخلف، فعندما ينظر الضيف لمقدم البرنامج أثناء وجود الكاميرا خلف المقدم، فهذا يظهر على الشاشة كأن الضيف ينظر مباشرة إلى الجمهور متجاوزًا المذيع، وهذا الأمر يخلق حالة من التفاعل بين المشاهد والضيف.
إذا كان مفيد دقيقًا في تصرفاته، هل كان يقصد إلقاء المهملات في بيت سناء جميل؟
نعم، خلال إحدى الحلقات التي صورها في بيت الفنانة سناء جميل، حرص "مفيد" على إثارتها لأنه يعلم أنها حريصة جدًا على نظافة منزلها، ولا تستعن بأي سيدة لتنظيف المنزل؛ فألقى "قشر اللب" على الأرض أمامها أثناء التصوير، وأكبر دليل على ذلك أنه لم يظهر في أي برنامج يفعل هذا الأمر فهو لا يأكل ولا يشرب أثناء العمل، فالتصوير عمل لا مجال فيه لـ"قزقزة اللب"، أيضًا موقف دخول "مفيد" الكواليس على فؤاد المهندس قبل عرض مسرحي كان مقصودًا هو الآخر، جميع هذه المواقف لم تأتِ مصادفة، وذلك لتكون الحلقة طبيعية، وتقدم الضيف كما هو في حياته الشخصية بعيدًا عن التمثيل.

لماذا اخترت مذيعين اثنين لإجراء الحوار مع الشاعر نزار قباني؟
عندما أردت التسجل مع "نزار" قررت أن يقدم الحلقة مفيد فوزي وفاروق شوشة ولكن كل واحد متهما على حدة، وكان نصيب "فارق" الحديث حول الشعر وقضاياه والأدب بصفة عامة فكلاهما شاعر وبذلك يصبح الحديث منضبطًا وأكثر تخصصًا في مجال الضيف، وبالفعل كان هذا الجزء من الحلقة مخصصًا للحديث حول الثقافة والأدب، أما الجانب الإنساني في حياة "نزار" أردت أن يجري الحوار فيه "مفيد" فتحدث مع نزار كإنسان، هذا الاختيار يحكمه مبدأ اختيار من يليق بالضيف وموضوع النقاش، وعلى سبيل المثال، قررت أن تدير المذيعة سكينة فؤاد الحوار مع توفيق الحكيم، فهو كاتب صحفي وهي كذلك كاتبة أولا، وصحفية ثانيًا، أما عن حوار مصطفى أمين فهو على العكس من "الحكيم" فكان صحفيًا أولا ثم أدبيًا، وليس أديبًا صحفيًا؛ فقررت أن تدير معه الحوار إقبال بركة فهي صحفية أديبة مثله.
قدمت الحضرة الزكية للشاعر فؤاد حداد، كيف تعرفت عليه وكيف تراه كشاعر؟
تعرفت على فؤاد حداد عن طريق الشاعر صلاح جاهين، أنا أفضله عن كثير من الشعراء تشعر أنه أحد العظماء الكبار أو من ألهة القدماء، بعكس جاهين الذي كان شاعر ولدًا شقيًا، أما فؤاد صاحب صورة وعمق ووعي أكبر، طلبت من جاهين عمل ألف ليلة وليلة، فقال لي إنه لا يحسن كتابة الأعمال كبيرة الحجم، فؤاد كان متزنًا وملتزمًا هو شاعر حقيقي، وعندما كان يكتب قصيدة يفرح بها جدًا، ويحب أن يسمع للناس كان يقول لي "ربنا فتح عليا بحاجة جديدة".
ماذا عن كواليس تقديم الحضرة الزكية؟
لم تأت مصادفة، فؤاد عاش مرحلة مؤلمة جدا ولم يكن يملك غير الشعر، دخله الشهري كان 100 جنيه، نصفها مقدم من وزارة الثقافة، والنصف الآخر مقدم من جريدة "روزاليوسف" مقابل كتابة مقالات أسبوعية، حزنت جدًا لحاله قلت كيف لرجل عظيم مثل ذلك أن يكون دخله بسيطًا هكذا، ففكرت في مساعدته، وقدمت للتلفزيون فكرة تقديم "الحضرة الزكية، وتعاقدوا معه ومع بليغ للتلحين، اشترى منه بليغ 12 أغنية ووصل سعر الأغنية الواحدة 500 جنيه، لكن وحداد كان يريد أن يقلل المبلغ ليكون 250 جنيها؛ لأنه شعر أننا نريد أن نساعده وكان لا يحب ذلك كان يقول "لا يا أخويا، أنتم بتضحكوا عليَّ، الأغنية بـ250 وأنتم عايزين تدوني 500، لا مش هينفع كدا".
كيف كانت كواليس العمل مع الشاعر نزار قباني والكاتبين إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس؟
صورت كل واحدة منهم في حلقة على حدة، وجدت في كلٍ منهم حالة من الرقي والتحضر والأخلاق، عندما تشاهدهم يتحدثون أمام الكاميرات وبعيدًا عن الكاميرات تشعر بخفر أنهم ينتمون إلى بلدك، وأقول ذلك خلال أنت سافرت وعشت في ألمانيا لفترة طويلة، كان "نزار" شخصًا متواضعًا جدًا مثل "إحسان" لكن "أنيس" شعرتْ أنه بعيد عن التواضع إلى حد ما، أذكر أن "إحسان" تبرع بأجره - المقدم من اتحاد الإذاعة والتليفزيون الجهة المنتجة للبرنامج - لفريق عمل البرنامج من المصورين والمعدين والعمال، وقال لا أريد المال نظير خدمتك لي، هذه خدمة ومقدمة لي، أنتم تدخلوني التاريخ من خلال هذه الكاميرات وهذا نوع من الخلود، إذا كانت الكتب تحفظ الأفكار فهذا التسجيل يحفظ الأفكار والصوت والصورة وكل شيء، بعد هذه الحلقة أظن أني سأعيش بين الناس.
صورت حلقة مع المطرب عباس البليدي في وقت كان الجميع يظن أنه رحل، هل كنت تعرف أنه مازل حيًا؟
بداية عباس البليدي مطرب له مكانة كبيرة، كما أنه متمكن جدًا، وكان مشهورًا في بدايته لكن ظهر في فترة غير مستقرة في تاريخ الغناء وهي فترة ظهور جيل الشباب الجديد في ذلك الوقت ومنهم عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، كما ظهر عدد كبير من المنولوجستات، بعد ذلك بدأ عباس البليدي يختفي تدريجيًا عن الساحة الفنية بعد الحفلات والمشاركة في الأفلام وغير ذلك، ومن جانب آخر أظن أنه لم يأخذ حقه رغم أنه قدم عددًا من الأغاني في الإذاعة المصرية أبرزها أغنية "عوف الأصيل".
اختفى عباس البليدي عن الساحة الفنية وكنا جميعًا نظن أنه، لم يكن أحد يعرف عنه شيئًا، حتى كنا نجد سؤالًا يرد في الكلمات المتقاطعة خلال الصحف اليومية عن مطرب شعبي راحل، ونجد الإجابة في الأعداد التالية "عباس البليدي"، أيضًا كان القائمون على وضع أسئلة الكلمات المتقاطعة في الصحف يعتقدون أنه رحل، وأنا أيضًا كنت أظن ذلك.
وكانت الحلقة التي صورتها معه مصادفة غريبة، فخلال زيارة إلى مجموعة من الأصدقاء في حي المنيل، كان أحدنا يحل الكلمات المتقاطعة ووجد سؤلًا عن مطرب شعبي راحل، قلت له عدد الأحرف يشير إلى اسم عباس البليدي، فقال لي مندهشًا (كيف ذلك، الحاج عباس مازال حيًا ويسكن بالقرب من المنزل نحن نعرفه جيدًا ونعرف أنه كان مطربًا)، طلبت من صديقي أن نذهب له، وبالفعل وصلت لمنزله طرقت الباب وإذا بعباس البليدي المطرب الشعبي الراحل واقف أمام، قلت له (أنا المخرج جميل المغازي من التليفزيون)، قال لي إنه يسمع عني، ورحب بي ودخلت منزله، كان وسيمًا ومازالت صحته جيدة رغم تقدم العمر به.
طلبت منه أن أسجل حلقة معه، فقال لي (أنا موافق يا أستاذ جميل ولكن بشرط أن تتركني ساعة واحد كي استعد)، قلت له (سأتركك ساعتين، وسأتواصل مع المكتب كي يرسلوا لي الكاميرات والمعدات)، وبالفعل بعد ساعتين وصلت الكاميرات والمعدات، وكنت تواصلت مع المؤرخ الموسيقي محمود كامل وطلبت منه أن يجهز أسئلة ليحاور "عباس" خلال الحلقة، وبالفعل حضر وصورنا حلقة كانت عظيمة جدًا، ولكنها لم تنشر عبر موقع الفيديوهات "يوتيوب".
كيف تعرفت على الملحن محمد الموجي والشاعر الغنائي عبد السلام أمين؟
أعرف محمد الموجي وعبد السلام أمين قبل أن نأتي إلى القاهرة، فنحن ولدنا في مدينة واحدة بمحافظة كفر الشيخ، وكانت تربطهما صلة قرابة، فهما أولاد عم من جانب، وأولاد خالة من جانب آخر، ونشأنا في مكان مكان واحد، وقدمًا كانت المدن والقرى يعرف السكان بعضهم بعضًا، وربما تجد صلة قرابة بين جميع أبناء قرية ما، فأنا أيضًا كان هناك صلة قرابة بين وبينهم.
ما هي الأغنية الأبرز التي تعاون خلال الموجي وعبد السلام أمين؟
أغنية "زي كل الناس يا قلبي" كتبها عبد السلام ولحنها الموجي وغنتها وردة الجزائرية، وللأغنية قصة طريفة، بداية الأمر عندما كان بليغ مشغولًا بتلحين عدد من الأعمال، وفي يوم ما ذهب لمكتبه ورأيت انشغاله، فطلبت منه أن يسند بعض الأعمال لملحن آخر يساعده، فقال بليغ "عايز مين يعني"، قلت له محمد الموجي، قال لي "ماشي كلمه بقى أنت، ما هو قريبك"، بالفعل اتصلت بالموجي وعرضت عليه العمل، فطلب مبلغ ألفين جنيه، ولكن أصر بليغ أن يعطيه خمسة آلاف جنيها تقديرًا له، فشعر الموجي أنه مُرَحَبٌ به، واتفقوا على موعد يحضره بليغ والموجي وعبد السلام أمين وأنا معهم.
تجمعنًا جميعًا وحضر الموجي متأخرًا، وعندما رأى عبد السلام قال: "أنت جايب لي عبد السلام أمين قريبك، ما لقتش غير دا، طيب دا حتى مالوش في الحب، وما بيعرفش يحب، دا اللي هيكتبدا ما بيعرفش يحب هيكتبإزاي"، ضحكنا جميعًا من نكتة الموجي حتى عبد السلام نفسه ضحك ولكن أسر في نفسه أمرًا، استأذن عبد السلام أن يدخل الحمام، وغاب أكثر من ربع ساعة حتى قلنا أنه غضب ورحل، ثم خرج فجأة من الحمام ومعه ورقة، وقال: "أنا مش بعرف أحب يا محمد، طيب اسمعوا الغنوة دي".
خرج عبد السلام من الحمام وقرأ علينا "زي كل الناس عايز أحب، واعرف الأشواق وأعيش أيامي حب، بس فين الحب فين، لو في أخر الدنيا أجيله، لو في عيني وقلبي اشيله"، وبالفعل بدأ الموجي في تلحين الأغنية، وعرضها على وردة فوافقت عليها، وسألته عن الأجر فقال بليغ أنهما اتفقا على مبلغ خمسة آلاف جنيه، وفقالت وردة إن الموجي لا بد أن يأخذ عشر آلاف جنيه، وفي نهاية الأمر وصل المبلغ لعشرين ألفًا تقريبًا.
كيف تعرفت على الموسيقار بليغ حمدي؟
تعرفت على بليغ حمدي عن طريق والدته وشقيقه، بداية الأمر عندما كنت في ألمانيا تحديدًا برلين الغربية وكان شقيق بليغ المستشار مرسي سعد الدين صديقًا لي، وكان يعمل حينها ملحقًا ثقاقيًا في أوروبا، ومقره برلين الشرقية، وخلال هذه الفترة كثيرًا ما كنت أعود إلى مصر، فكان المستشار مرسي يطلب مني أن أوصل دواءً لوالدته لم يكن موجودًا إلا في برلين الغربية.
كانت والدتهما سيدة طيبة جدًا، تشعر أنها والدتك، أحببتها جدًا، وكنت دائمًا أزورها، وقلت لها إلا تطلب الدواء من ابنها "مرسي" ولكن تطلب مني مباشرة، وفي إحدى الزيارات سألتني إذا كنت أعرف ابنها الآخر بليغ أم لا، فقلت لها إني لم أقابله من قبل، فأصرت أن تعرفني عليه، ودعتني لتناول وجبة الغداء معها ومع بليغ في يوم آخر، ولكن كما عرفته بعد ذلك، كثيرًا ما كان يتأخر عن موعده، وأحيانًا لم يكن يحضر "أصلا"، رغم ذلك كان منضبطًا في عمله، في هذا اليوم لم يتأخر بليغ ولكن لم يحضر "أصلا"، وحزنت أمه حزنًا شديدًا، وانصرفت كأن شيئًا لم يكن، لم أغضب من فعله، فلم أكن أعرفه.
فوجئت بعد ذلك بزيارة الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز وشخص آخر معه، قال الآخر لي أنا بليغ حمدي، واعتذر عن عدم الحضور، وقال إن والدتي غاضبة جدًا، وطلبت أن اعتذر لك أولًا، وثانيًا نذهب معًا، حتى أنها قالت "تحرم عليَّ يا بليغ لو ما صالحت الأستاذ جميل"، ومنذ ذلك اليوم صارت بينا صداقة قوية.
ما العلاقة بين أم كلثوم وحبيبة بليغ حمدي التي رحلت مبكرًا؟
في بداية حياة بليغ كان يحب فتاة وكانت سببًا في تعرفه على أم كلثوم، كان بليغ يسكن بالقرب من منزلي، وذكر لي أنه كان يحب فتاة وكانت مصابة بداء السل، وكانت حالتها تزداد سواءً كل يوم، كان بليغ يريد أن يكون مطربًا في بدايته وكان صديقًا للموسيقار محمد فوزي، وخلال هذه الفترة طلب بليغ من فوزي مبلغًا من المال لمساعدة حبيبته، وكان فوزي إنسانًا جميلًا لا يقصر في مساعدة الأخرين، ولكن كان يخشى أن يضيع بليغ المبلغ الذي يريد أن يعطيه له.
ظل محمد فوزي مشغول البال بأزمة حبيبة بليغ، وأثناء ذلك اتصلت به أم كلثوم فشعرت من صوته أنه حزين، قالت "مالك يا فوزي مش عادتك يعني فين الضحك والهزار"، أخبرها فوزي بقصة الشاب بليغ وأمر حبيبته المريضة، فطلبت منه أن يرسل بليغ إليها، وبالفعل جهز بليغ عوده وذهب لأم كلثوم، وعندما قابلته قالت له "الله إيه العود دا، أنت بتلعب مزيكا"، فوجئ بليغ بسؤال أم كلثوم، وفهم أنها أرادت مساعدته ولم تكن ترد أن تستمع له كفنان، أراد بليغ أن يغني شيئًا أمامها، ولكنها قالت "خد الفلوس الأول وروح المستشفى، وسيب العود هنا، روح الأول للبنت المريضة"، أخذ منها بليغ المبلغ وذهب للمستشفى لكنه وجد حبيبته المريضة فارقت الحياة، فعاد لأم كلثوم ورد لها المبلغ وأخذ العود معه، وقالت له "إن شاء الله نتقابل تاني، واسمعك في ظروف أحسن".
أول لقاء بين بليغ وأم كلثوم لم يكن لقاءً فنيًا، متى استمعت له؟
مر أول لقاء بين بليغ وأم كلثوم لم يسمعها عزفه أو صوته، بعد ذلك بفترة اتصلت أم كلثوم بمحمد فوزي وأخبرته أنها ستذهب لصالون زكي سويدان، وأخبرها فوزي أنه سيقابلها هناك، وخلال المكالمة تذكرت الشاب الصغير الذي كان يريد أن يسمعها أغنية، فقالت له "فاكر يا فوزي الشاب اللي جالي وكان معاه عود، يا ريتييجي معاك"، في هذا اليوم ذهب بليغ مع فوزي لمنزل زكي سويدان ولكن هذه المرة لم يصطحب آلة موسيقية معه، فظن أن الظروف لن تتاح أمامه ليغني أو يعزف أمام أم كلثوم مرة أخرى، ولكن طلبت منه أن يغني شيئًا، ارتبك بليغ وأخبرها أنه لحن أغنية جديدة ولكن لم يحضر العود.
أخبرني بليغ أن زكي سويدان أدخله غرفة في منزله بها عدد كبير جدًا من الآلات الموسيقية، فأخذ بليغ العود وجلس على الأرض أمام أم كلثوم، وغنى لها أغنية جديدة من ألحانه، ومن كلمات شاعر صديق لها، أعجبت أم كلثوم بالأغنية وطلبت منه أن يكررها أكثر من مرة، وطلبت منه أن يزورها في منزلها بالزمالك ويحضر الشاعر معه، أخبر بليغ صديقه الشاعر عبد الوهاب محمد ولكنه لم يصدق الأمر، ظل عبد الوهاب محمد مكذب لنبأ بليغ حتى وقفا أمام منزلها، قالت لها عبد الوهاب محمد سأقف بعيدًا ربما ترن الجرس وتلوذ فرارًا يا بليغ، قال له بليغ "والله ما هعمل كدا، دا بيت أم كلثوم وهي اللي قالت لي تعالي وهات الشاعر"، بالفعل رن بليغ الجرس وفوجئ أن بليغ دخل، فرن الجرس هو الآخر ودخل، وفي ذلك اليوم قابلا أم كلثوم وجلسا معها، وأخبرتها أنها ستغني الأغنية الجديدة "حب ايه اللي أنت جاي تقول عليه".