رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كآبة «حرب كورونا»


عندما بدأ فيروس كورونا فى الظهور توقع المتفائلون أن تنتهى الأزمة سريعًا وأنه فيروس ضعيف، وتوقع بعض المصريين الطيبين أن الفيروس لن يصل إلى مصر وإن وصل سيكون ضعيفًا، وبالفعل كانت أعداد المصابين فى الأيام الأولى للفيروس قليلة مقارنة بباقى الدول، وأسهب الكثير من المتخصصين وغير المتخصصين فى إعطاء الأمل للشعب وطمأنة الجماهير وإعطاء تفسيرات لضعف انتشار الفيروس، وعند ارتفاع معدل الإصابات بصورة طفيفة تم فرض حظر التجول والتشديد على الإجراءات الاحترازية.
وبدأ الناس فى التخبط بين أهمية لبس الكمامة وعدم أهميتها وبين لبس القفازات وعدم لبسها وبين استخدام الكحول والكلور، واستغل تجار الأزمات هذا التخبط وارتفعت أسعار المطهرات والكمامات، ثم بدأت بعض الأدوية الموصوفة على السوشيال ميديا فى الاختفاء بسبب التكالب على شرائها، ثم وصلنا إلى مرحلة البحث عن العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعى والارتفاع الفلكى والجنونى لأسعار الإقامة فى رعايات المستشفيات الاستثمارية، وسمعت من أكثر من صديق هذه الجملة «إحنا صرفنا تحويشة عمرنا».
بجانب ذلك كان الجيش الأبيض من الأطباء يخوض معركة شرسة فى مواجهة المرض، وهم غير مستعدين ولا محصنين، فسقط العديد منهم شهداء.
وبدأنا نسمع عن إصابة المشاهير ونجوم المجتمع بالفيروس، وأصبح الفيروس موجودًا ومنتشرًا بين الكثير من معارفنا، وكل يوم ترتفع وتيرة الأحداث، ورغم ذلك أصحاب الأمل والطاقة الإيجابية يحاولون نشر الإيجابية وطمأنة الناس أن الجائحة فى زوال، وأن بلازما المتعافين لها دور فى العلاج، وأن هناك لقاحًا اكتشف للتطعيم ضد الفيروس، وأن هناك عقارًا لعلاج الفيروس، ومنهم من قال إن الحر والسخونية يقضيان على الفيروس.
تمسك كثير من الناس، الذين لم يصابوا بالفيروس، بالأمل بشدة، وأقنعوا أنفسهم بأن الأزمة إلى زوال والأمر يحتاج إلى بعض الصبر.
أما من أصيبوا بالفيروس بعضهم تمسك بالأمل فى الحياة وحاول بشتى الطرق مواجهة الفيروس، وتغلب بعضهم على الفيروس، ولكن الإعلام لم يقدم إلا نماذج قليلة تعافت من المرض، وتم تسليط الضوء أكثر على تزايد الحالات. وسط الأمل كان هناك خوف وملل وإحباط ويأس من البعض فى مواجهة الفيروس والحظر وللأسف من يئسوا كان صوتهم عاليًا وقدرتهم أكبر من أى طاقة إيجابية وصدروا لنا طاقة سلبية وإحباطًا، والبعض الآخر استغل الأزمة سياسيًا واستمر فى نشر الطاقة السلبية والتشكيك ونشر الشائعات.
للأسف انتشر الحزن والإحباط على الأمل، لأن أصحاب الطاقة الإيجابية لا يجدون ما يقولونه للأسر التى فقدت أحد أفرادها أو من صرفوا كل مدخراتهم فى مواجهة المرض، أو من أفلسوا بسبب الأزمة الاقتصادية المصاحبة للجائحة، لأنك قبل أن تتكلم معهم يجب أن تضع نفسك مكانهم وتقدر أوجاعهم وأحزانهم.
مع إعلان فك الحظر ظن الكثير من المتفائلين، وأنا منهم، أن الناس سترقص ابتهاجًا فى الشوارع، ولكن هذا لم يحدث لأن الحظر تم فكه ليس بسبب انتهاء كورونا إنما بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة، بجانب أن فك الحظر كان مشروطًا بالعديد من الإجراءات الاحترازية، وأيضًا هناك بيوت موجوعة بسبب فراق الأحبة نتيجة الإصابة بالفيروس، أو أشخاص ما زالوا يعانون من آلام الإصابة بالمرض وأشخاص تم شفاؤهم من الكورونا، ولكنهم يعانون من اكتئاب وإجهاد ما بعد الكورونا، نعم اكتئاب ما بعد الكورونا أو اكتئاب ما بعد الفيروس.
حالة بين الحزن والتبلد تراها فى وجوه الناس فى الشوارع، أو أى مكان تذهب إليه، أتذكر جملة قالها مريض: «إحنا نازلين الشارع عشان نشتغل، بس حاسين إن إحنا نازلين ومهددون بالقتل». يتساءل الناس كثيرًا عن تفسير هذه الحالة من الكآبة والحزن وكيفية الخروج منها.. هذه الحالة تفسيرها أن التوقعات الإيجابية والآمال والثقة التى تحدث بها المسئولون عن الملف الصحى كانت زائدة على الحد، بجانب غياب الإعلام الطبى المحترف، وعندما تخيب التوقعات وتغيب المعلومة الصحيحة تحدث الصدمة. هذه الصدمة أعراضها شبيهة بالاكتئاب.. لإزالة هذه الحالة هناك أكثر من حل، الحل الأول هو الشفافية والمصارحة والمكاشفة والاستمرار فى التوعية وعدم إيهام الناس بأن الكورونا انتهت، رغم أنها مستمرة.. الحل الثانى هو أن يفعل دور الطب النفسى الحقيقى فى علاج الاكتئاب والقلق والكرب ما بعد الصدمة وجميع الأمراض النفسية المصاحبة للجائحة.. وأعتقد أن الأطباء النفسيين والإخصائيين يقع على عاتقهم جهد كبير هذه الأيام، جهد فى العلاج والتوعية والامتناع عن إعطاء آمال زائدة على الحد.