رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثورة الفرنسية.. الدروس المستفادة


تحتفل فرنسا بل ويحتفل العالم كله فى الحقيقة، بعد أيام قليلة فى الرابع عشر من يوليو، بذكرى الثورة الفرنسية، تلك الثورة المُلهِمة التى لم يقتصر تأثيرها على فرنسا فحسب، بل هزت أوروبا بشدة، وأدت إلى سقوط عروش وظهور أفكار وأنظمة جديدة. وتأثرت منطقتنا بشدة بالثورة الفرنسية وتبعاتها، وما الحملة الفرنسية على مصر فى عام ١٧٩٨ إلا إحدى هذه التبعات المباشرة، وحتى الدولة العثمانية- الدولة الحاكمة فى المنطقة- تأثرت أيضًا بالثورة الفرنسية سواء عبر المتغيرات السياسية على الخريطة الأوروبية، أو حتى تسرب أفكار الثورة داخل النخبة العثمانية ذاتها.
وهناك العديد من الدروس المستفادة من تجربة الثورة الفرنسية، أتذكر عند دراستنا أحداثها ونحن طلاب فى الجامعة السؤال المهم، والذى قد يبدو بسيطًا وساذجًا لأول وهلة: «متى بدأت الثورة الفرنسية؟»، حيث اندفعنا جميعًا بالإجابة التلقائية: «بدأت يوم ١٤ يوليو ١٧٨٩ بسقوط سجن الباستيل». لكنى لا أنسى ابتسامة أستاذنا وهو يحاول أن يعلمنا درسًا فى التحليل التاريخى، إذ قال: «نعم، هذا هو التاريخ التقليدى للثورة، وهو فى نفس الوقت العيد الوطنى لفرنسا، ولكن هل بدأت الثورة فعلًا فى هذا اليوم؟»، وراح أستاذنا يعلمنا طرح الافتراضات: هل بدأت الثورة نتيجة ديكتاتورية لويس الرابع عشر، رغم أن التاريخ الرسمى للثورة هو فى زمن لويس السادس عشر؟ هل بدأت الثورة مع الآراء الجديدة للمفكرين الجدد مثل فولتير وروسو ومونتسكيو؟ هل بدأت الثورة مع نهضة الصحافة التى أصبحت رسالة الثورة؟ هل بدأت الثورة مع الأزمة الاقتصادية؟ هل الثورة بدأت مع وصول الملك الضعيف لويس السادس عشر وزوجته مارى أنطوانيت إلى الحكم؟ هل الثورة تحدث فى زمن الحكام الضعاف، بينما يحول الطغاة دون اندلاع الثورة؟
الدرس الثانى من دروس الثورة الفرنسية: هل الثورة تأكل أبناءها؟ هل بعد النجاح السريع للثورة يخلع الثوار رداء الثورية ويحدث الصراع على الحكم؟ أم أن التناقضات الجوهرية والأساسية تظهر سريعًا على السطح؟ هل نتذكر المقصلة وعصر الإرهاب الذى عاشته فرنسا فى السنوات الأولى للثورة؟
الدرس الثالث: المؤثرات الإقليمية ودورها وأحيانًا حرصها الشديد على إفشال الثورة، ألم تلعب الملكيات الأوروبية دورًا فى إخفاق الثورة، إذًا الثورة ليست حدثًا محليًا، وإنما للمؤثرات الإقليمية وأحيانًا العالمية دور مهم فى مسارات الثورة.
الدرس الرابع: هل من الأفضل التغيير عن طريق الثورة- الهدم والبناء- أم أن الأفضل هو طريق الإصلاح من الداخل، حتى لو كان الإصلاح من داخل النظام القديم؟ وحتى الآن هناك جدل كبير حول هذا الأمر، وهناك مقارنات بين نموذج التغيير الإنجليزى الذى مال إلى حد كبير إلى الإصلاح من الداخل، والنموذج الفرنسى الذى مر عبر عشرات السنين بتقلبات عنيفة، مثل ديكتاتورية نابليون وعودة الملكية من جديد، إلى الانتهاء بالهدوء النسبى والنظام الجمهورى. ولكن يبقى السؤال: هل الثورة خيار أم حتمية تاريخية؟ أم أن لكل بلد ظروفه وقدراته الخاصة على اختيار نظامه ومسار مستقبله؟
هذه بعض الدروس المستفادة، ولكن هناك العديد والعديد من الدروس الأخرى لهذه التجربة الثرية، تجربة الثورة الفرنسية التى يحتفل بها العالم كله وليس فرنسا وحدها.