رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أى رسائل إيرانية وراء اغتيال الهاشمى؟


أفاد ضباط التحقيق من مكان اغتيال هشام الهاشمى «٤٧ عامًا»، بأن ثلاثة مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين أطلقوا النار من مسافة أمتار على الهاشمى، الذى كان يستقل سيارته متوجهًا بها لمنزله، غير المزود بالحراسة، فى منطقة زيونة فى شرق بغداد، رغم تلقى الهاشمى قبيل واقعة الاغتيال العديد من تهديدات الاغتيال.
هشام الهاشمى ولد فى عام ١٩٧٣، وهو مؤرخ وباحث فى الشئون الأمنية والجماعات المتطرفة تخصص بملف تنظيم «داعش» وأنصاره، حيث يعد أول من كشف اللثام عن قيادات تنظيم «داعش» فى كل من العراق وسوريا، عندما أفصح فى كتاباته ولقاءاته الإعلامية عن أسماء ومعلومات دقيقة تخص قيادات التنظيم وآلية عملهم، ولدى الهاشمى مؤلفات عديدة منها: كتاب «عالم داعش»، وكتاب «نبذة عن تاريخ القاعدة فى العراق»، وكتاب «تنظيم داعش من الداخل»، كما أن لديه مئات من المقالات والأبحاث المنشورة فى الصحف العراقية والعربية والأجنبية عن الجماعات المتطرفة.
بعد ساعات معدودة من الإعلان عن واقعة الاغتيال، التى شاهدها الجميع من خلال المقاطع المصورة، حيث ظهر فيها بوضوح تام الأشخاص الذين تتبعوا الهاشمى وكيف أطلق أحدهم النيران بغزارة عليه، وهو يجلس على مقعد قيادة سيارته الخاصة فور وصوله أسفل منزله- أعلن الناشط العراقى «غيث التميمى» المقيم فى لندن، ويعمل رئيس المركز العراقى لإدارة التنوع، فى تغريدة عبر حسابه الرسمى على «تويتر»، أنه يمتلك أدلة ووثائق عن الجهة المتورطة فى اغتيال الباحث هشام الهاشمى.
ونشر التميمى صورًا من محادثة له مع الهاشمى عبر تطبيق «واتساب»، حيث أشار الأخير له إلى أنه تلقى تهديدات من قبل ميليشيات «كتائب حزب الله» المدعومة من الحرس الثورى الإيرانى، تحذره من أنها قادرة على اغتياله، وأن عنقه فى متناول يديها.
وقد اطلع العراقيون بشكل واسع على صور تلك المحادثة النصية، على نطاق واسع فيما بينهم، مما جعل هاشتاج #كتائب حزب_الله_تغتال_الهاشمى يتصدر ترند العراق خلال ساعات فى حالة أقرب إلى تأكد القطاع الأكبر من العراقيين، من صحة هذا الاتهام وأن تلك الجهة هى من قامت بتنفيذ تهديدها، خاصة أنها ليست المرة الأولى التى تلجأ لسلاح الاغتيال من أجل إسكات وترهيب خصومها.
اليوم هناك سباق يجرى بين رئيس الحكومة العراقية الجديد «مصطفى الكاظمى»، وبين إيران وأذرعها ومساحات نفوذها وسيطرتها على الشارع العراقى، قد يكون السباق ما زال فى جولته الأولى، لكنه بدأ بالفعل وهذه شواهد مؤكدة.
فرئيس الحكومة العراقية أصدر قبل أيام قرارًا بعزل رئيس هيئة الحشد الشعبى، «فالح الفياض»، أقرب رجال إيران، من منصبى رئيس «جهاز الأمن الوطنى» ومستشار «الأمن الوطنى»، وعين بدلًا منه كلًا من «عبدالغنى الأسدى» و«قاسم الأعرجى» المرفوضين من قبل إيران.
ويعد لموقع مستشار الأمن الوطنى وحده أهمية كبيرة، فهو بمثابة مركز لتقاطع معلومات مختلف الأجهزة الأمنية العراقية، ليجرى من خلاله عرض الملخصات والاستشارات الأمنية الأهم على رئيس الوزراء مباشرة، كما يملك مستشار الأمن الوطنى فى العراق الحق فى الوصول إلى قواعد البيانات فى جميع الدوائر الأمنية، بما فى ذلك جهاز المخابرات العسكرية، كى يتمكن من وضع القائد العام للقوات المسلحة فى أفضل صورة لاتخاذ قرار أمنى أو عسكرى.
والحديث الدائر أن هذا القرار «الكبير»، يأتى فى سياق خطة حكومية شاملة لاستبدال عشرات القادة الأمنيين الموالين لإيران، ضمن منظومة ساعية لتطهير تلك الأجهزة، لاسيما بعد مقتل أكثر من «٥٠٠ عراقى» خلال المظاهرات الأخيرة، الأغلبية منهم قضوا نحبهم بجرائم اغتيال موجهة، وسط اتهامات واسعة فى الشارع العراقى بأن الميليشيات المدعومة من إيران هى الجهة المتورطة فى تنفيذ تلك العمليات.
تزامن اغتيال الباحث والخبير الأمنى «هشام الهاشمى» مع محاولة استهداف السفارة الأمريكية فى بغداد يصفه المحللون العراقيون بأنهما رسالتان إيرانيتان لهدف واحد، هو إثبات أن إيران وميليشياتها لا تزالان تملكان ذات القوة على الأراضى العراقية، وأنهما لا تزالان تتمتعان بالقدرة والنفوذ اللذين يسمحان لهما بتنفيذ سياستها وخططها، حتى مع قرارات «الكاظمى» فى إقصاء القيادات الأمنية الموالية لهما.
فاختيار إيران لاستهداف السفارة الأمريكية بالقصف الصاروخى، واغتيال باحث وناشط شهير معلوم للجميع انتقاده للطائفية ولنظام المحاصصة الإيرانية- جاء من أجل إيصال رسائلها باعتبار أنها أشهر التكتيكات التى كانت تمارسها إيران فى العراق، طيلة السنوات الماضية وترسخت وازدادت بعد اغتيال «قاسم سليمانى».
فقبل أيام أيضًا كانت لهذا السباق صورة بالغة الدلالة، عندما تجرأ عناصر من ميليشيات «كتائب حزب الله» العراقى على تهديد رئيس الوزراء الكاظمى علنًا، وقاموا بتصوير عناصرهم وهم يدوسون صور الكاظمى بعد إطلاق سراحهم رغم تورطهم بإطلاق صواريخ على مواقع سيادية وأمنية. لذلك لم تتجه أصابع الاتهام فى اغتيال الهاشمى إلى «داعش» رغم عدائهما المتبادل، باعتبار أنها لا تمتلك اليوم قدرات النفاذ والوصول إلى تلك المنطقة فى وسط العاصمة بغداد، فحى «الزيتونة» الذى اغتيل فيه الهاشمى يقع داخل الطوق الأمنى لبغداد، كما هو معلوم أنه يخضع لنفوذ «كتائب حزب الله»، حيث تقع مقرات ومواقع تابعة لها، غير بعيدة من منزل الباحث والخبير الأمنى الراحل. لذلك ربط أهل «هشام الهاشمى» بين اغتياله والحملات الإعلامية الشرسة التى اندلعت ضده، ونظمها محسوبون على الفصائل المدعومة من إيران.
لا توجد بالطبع إحصائيات دقيقة لعدد عناصر الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، إلا أنها، كما هو معلوم، على الأقل فى العراق، تتوزع على عدة ميليشيات رئيسية، أهمها «حزب الله» المقدر عدده بنحو «٤٠ ألف مقاتل» و«فيلق بدر» المقدر عدده بـ«١٥ ألف مقاتل»، كما توجد «عصائب أهل الحق» التى تضم «٣ آلاف مقاتل» بالإضافة إلى جيش المهدى، وتتشارك جميعها وتنتظم بميليشيات الحشد الشعبى. وهى أرقام ضخمة لعناصر مسلحة ومؤهلة بالسلاح والتدريب، تمرسوا فى جبهات قتال متنوعة ضد «داعش» وغيره من التنظيمات، مما يؤكد أن رحلة «الكاظمى» فى تفكيكها واسترداد الدولة بمؤسساتها لن تكون بالمهمة السهلة، رغم أن الرجل يستند إلى خبراته الاستخباراتية، التى جعلته يتابع حجم ومسار توغل تلك التنظيمات طوال السنوات الماضية، واليوم هو يخوض بشجاعة غمار الحرب ضدهم، والأهم أنه يعلم أن حربًا من هذا النوع هى ماراثون طويل من الصعب حسمه سريعًا بالضربة القاضية.