رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدود حرية الإعلام الأجنبى


مواجهات أو مكايدات أمريكية صينية، بشأن وسائل الإعلام، تغرى كثيرًا من الدول، ومصر تحديدًا، بتقليدها. ليس فقط مع وسائل إعلام الدولتين، ولكن أيضًا مع كثير من وسائل الإعلام الأجنبية، التى صارت واجهة لأنشطة مخابراتية، أو باتت مرتبطة بظواهر إجرامية، تبدأ بغسل الأموال ولا تنتهى بدعم، تمويل، وتبرير الإرهاب.
مع تصاعد الخلافات السياسية والاقتصادية بين واشنطن وبكين، أمرت السلطات الصينية، الأسبوع الماضى، أربع وسائل إعلام أمريكية بالكشف عن تفاصيل موظفيها وعملياتها المالية فى البلاد فى غضون سبعة أيام. وفى مؤتمر صحفى، قال جاو ليجيان، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إن الإجراء الذى اتخذته بلاده كان ضروريًا لمواجهة «القمع غير المعقول للوسائل الإعلامية الصينية فى الولايات المتحدة». وطالب وكالتى «أسوشيتد برس» و«يونايتد برس إنترناشيونال» ومحطة «سى بى إس» وإذاعة «إن بى آر» بالإبلاغ عن هذه المعلومات، بالإضافة إلى كل تفاصيل العقارات التى تملكها فى الصين.
الإجراء الصينى، جاء ردًا على إجراء مماثل اتخذته الولايات المتحدة. إذ كانت الخارجية الأمريكية قد أمرت فى ٢٢ يونيو بتعديل الوضع القانونى لأربع وسائل إعلام صينية رسمية بزعم أنها باتت تُعد «بعثات دبلوماسية أجنبية»، كما سبق أن اتخذت إجراءً مماثلًا ضد خمس وسائل إعلام صينية أخرى فى فبراير الماضى. وطبقًا لما ذكرته مورجان أورتاجوس، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فإن وسائل الإعلام الصينية التسع «تخضع لسيطرة حكومة جمهورية الصين الشعبية». بينما رأى نظيرها الصينى، جاو، أن القيود الأمريكية على وسائل الإعلام الصينية «كشفت عن نفاق ما يوصف بحرية الصحافة التى تروج لها الولايات المتحدة».
بين الشوطين، قامت واشنطن بطرد عدد من موظفى وسائل الإعلام الصينية العاملين فى الولايات المتحدة، وردت بكين بإجراء مماثل. وبعدهما، أى بعد الشوطين، قال كريستوفر راى، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى، أمس الأول الثلاثاء، إن الصين تقود عمليات مخابراتية واسعة النطاق للدفع باتجاه خيارات تناسبها فى الانتخابات الأمريكية، واصفًا تأثيرها بأنه غير مسبوق، ويستهدف السياسات الأمريكية «على مدار اليوم والأسبوع والعام».
مواجهات أو مكايدات شبيهة، حدثت بين روسيا والولايات المتحدة، بدأت باتهامات وجهتها الأخيرة لوسائل إعلام روسية بالتدخل فى انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية. ثم تطور الأمر، فى خريف ٢٠١٧، إلى اتهامات صريحة لوسائل إعلام بعينها، بالتدخل فى الشئون الداخلية الأمريكية، وبأنها تقوم بالدعاية للكرملين «الرئاسة الروسية»، وتم إجبارها على التسجيل كـ«وكلاء أجانب» بموجب القوانين الأمريكية. وهو ما ردت عليه روسيا بإجراءات مماثلة.
فى بريطانيا، أيضًا، اتهمت مؤسسة تنظيم الإعلام «أوفكوم» شبكة «روسيا اليوم»، بخرق قواعد الحياد فى الكثير من البرامج التى تم بثها بعد تسميم الجاسوس المزدوج سيرجى سكريبال وابنته فى بريطانيا. ولاحقًا، تم منع وسائل إعلام روسية من المشاركة فى مؤتمر دولى عن «حرية الإعلام» استضافته العاصمة البريطانية لندن، وبررت متحدثة باسم الخارجية البريطانية ذلك بقولها: «لم نمنح تراخيص لشبكة (روسيا اليوم)، ووكالة (سبوتنيك) بسبب دورهما النشط فى نشر المعلومات المضللة».
هذه الإجراءات فرضت نفسها على مؤتمر أقامته منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا، استضافته موسكو، فى ٦ نوفمبر الماضى. ومن على منصة هذا المؤتمر، اتهم سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى دولًا أعضاء فى المنظمة، وخص بالذكر بريطانيا، بانتهاك حقوق وسائل الإعلام الروسية. وانتقد محاولات «فرض مبادرات غير شفافة على المجتمع الدولى فى مجال تنظيم عمل وسائل الإعلام والإنترنت»، وقال إن المنظمة ليست ملزمة فقط بتقديم تقييم مبدئى لأى من مظاهر التضييق على وسائل الإعلام، ولكنها ملزمة أيضًا بالحد من أى ممارسات قمعية.
مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وبريطانيا، تقوم ألمانيا، فرنسا، تركيا، قطر، إيران، السعودية و... و... وغيرها، بتمويل قنوات تليفزيونية، صحف، مواقع إلكترونية، وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعى، موجهة للخارج. ونذكّرك، لو كنت نسيت، أننا توقفنا، منذ أيام قليلة، أمام قناة «الحرة» الأمريكية، التى أكلت بثدييها وبأثداء من استأجرتهم. وقلنا إنها تنافست مع «فرانس ٢٤» الفرنسية، على المركزين الرابع والخامس فى قائمة أكثر القنوات الموجهة كذبًا، تدليسًا وفبركة، بعد «دويتشه فيله» الألمانية و«بى بى سى» البريطانية، اللتين تتبادلان المركزين الثانى والثالث، وطبعًا، ظلّ المركز الأول من نصيب «جزيرة موزة» وأخواتها.
غالبية دول العالم تمارس اللعبة نفسها. وطبيعى أن يتم الرد عليها بلعبة مضادة، تساويها فى المقدار، على الأقل. وحال عدم تحقق تلك النظرية، نظرية نيوتن، تحدث الموجهات والمكايدات وتظهر القوانين، التى تضع الحدود وتفرض القيود، والتى لم يعد أمامنا غيرها، بعد أن صارت مؤسساتنا المعنية عاجزة عن الفعل ورد الفعل، معًا، فى مواجهة وسائل إعلام أجنبية عديدة، بات فى حكم المؤكد أنها واجهة لأنشطة مخابراتية، أعطاها ارتباطها بالإرهاب أبعادًا أكثر خطورة.