رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«النكتة» والمجتمع المصرى


«سمعت آخر نكتة؟»
مقولة كانت تدور على ألسنة المصريين دائمًا، حتى إن إخواننا العرب كانوا يبادرون أصدقاءهم المصريين متسائلين بشغف عن آخر نكتة. ولأهمية النكتة وتأثيرها فى المجتمع المصرى أفرد لها العلامة الكبير «أحمد أمين» عدة صفحات فى موسوعته الشهيرة «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية»، الذى صدرت طبعته الأولى فى عام ١٩٥٣.
ويشرح «أحمد أمين» المعنى اللغوى لكلمة نكتة قائلًا: «أصل النكتة فى اللغة العربية النقطة من بياض فى سواد، أو من سواد فى بياض. تقول هو كالنقطة البيضاء فى الثوب الأسود. ثم استُعمِلت على طريق المجاز فيما جاء فى وسط الكلام من عبارة منقحة أو جملة طريفة... يقولون جاء بنكتة فى كلامه... ثم استُعملت فى النوادر الظريفة تستثير الضحك، وفى هذا المعنى الأخير يستعملها المصريون فيقولون للرجل الذى يأتى بالنوادر المضحكة ابن نكتة».
ويروى «أحمد أمين» شهرة المصريين فى هذا اللون الفكاهى منذ قرون طويلة، ويستشهد فى ذلك بآراء الأدباء والمؤرخين وأشهرهم «أبى الصلت» و«ابن خلدون» و«المقريزى».
وبالنسبة إلى التاريخ الحديث يذكر «أحمد أمين» أشهر «ولاد نكتة» عرفتهم مصر، وبعضهم من أهم شعراء العصر؛ إذ يذكر «حافظ إبراهيم» و«عبدالله النديم» و«عبده البابلى».
وعرفت القاهرة بعض القهاوى التى اشتهرت بأنها مقر لظرفاء مصر، وكان أشهرها مقهى فى حى الخليفة يجتمع به هؤلاء حتى عُرِف المقهى باسم «المضحكخانة الكبرى»، وكان يرتاده أيضًا علية القوم. وكان يدير هذه اللقاءات أحد أشهر ظرفاء عصره الشيخ «حسن الآلاتى»، والذى جمع كثيرًا مما دار فى «المضحكخانة» فى كتاب أطلق عليه «ترويح النفوس ومضحك العبوس».
ولا أدل على أهمية النكتة وتشوق المجتمع المصرى لها من صدور العديد من المجلات المخصصة لفن النكتة، لعل أشهرها ما أصدره «عبدالله النديم» من مجلة أسبوعية أطلق عليها اسم «التنكيت والتبكيت»، كما صدرت مجلات أخرى مثل «حمارة منيتى» و«الصاعقة» و«ألف نكتة ونكتة» وغيرها.
ولعل أخطر أنواع النكت وأكثرها حساسية هو ما أُطلق عليه النكتة السياسية، وربما هذا ما دفع الصحفى الكبير «عادل حمودة» إلى تأليف كتابه «النكتة السياسية»، الذى صدر فى عام ١٩٩٠، حيث يُلقى حمودة أضواء مهمة على تطور النكتة السياسية فى مصر؛ إذ يشير حمودة إلى اهتمام «عبدالناصر» شخصيًا بذلك الأمر لاستطلاع اتجاهات الرأى العام، وكيف كان «هيكل» يجمع له النكات حتى يستطيع تفهم نفسية الشعب المصرى، وكيف طلب «عبدالناصر» بنفسه من الشعب المصرى التوقف عن هذا اللون من السخرية، لأنه فى النهاية يُضعِف نفسية الشعوب، ولا يستفيد منه إلا العدو إسرائيل.
ويرى حمودة أن أزهى عصور النكتة السياسية كان عصر «السادات»، الذى اشتهر هو نفسه بأنه «ابن نكتة»، كما أن سياسته وأداءه الخطابى التمثيلى كانا مستفزين.
«لا أتجاوز إذا ما قلت إن النكتة السياسية فى عهده- السادات- ازدهرت ولعلعت وأصبحت حادثًا يوميًا، بعد أن كانت موجات تصل إلى الذروة، ثم تأخذ فى الانحسار».