رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة إلى وزير الأوقاف: اتَّقِ الله فى النساء



أثار قرار وزارة الأوقاف بفتح المساجد للصلاة مع إغلاق مصلى السيدات كثيرًا من الدهشة.. ما الحكمة؟ هل هناك اكتشاف بأن فيروس «كورونا» يصيب النساء أكثر من الرجال؟ هل تخاف الأوقاف على النساء أكثر من تخوفها على الرجال؟ أم أن النساء يمكن القدرة عليهن وإسكاتهن بحجة أن صلاة المرأة فى المسجد ليست فرضًا؟
لا يا وزارة الأوقاف.. سواء كانت الصلاة سنة أو فرضًا فليس من حقك منع النساء من المساجد.
ففى الوقت الذى لم يعد أحد يتحدث فيه عن تعليم المرأة، وصار من البديهيات أنها تتعلم وتذهب للجامعة فى أى مكان، وتسافر للخارج لإكمال دراستها، وفيما يخص العمل الشىء نفسه، يتم استدعاء مرويات الإسلام التى كرَّم فيها المرأة، ورفع مكانتها.. إلخ.
ولكن ما إن يأتى الحديث عن عبادة المرأة وإقامتها الصلاة فى المسجد إلا ويتم استدعاء مرويات تناسب وقتها، حيث كانت المرأة فى الغالب لا تخرج من بيتها، والطرق غير معبدة ولا توجد إنارة فى الشوارع، فكان حديث الصلاة فى بيتها أفضل للتخفيف على النساء وليس المنع.
أما الآن فقد أصبحت المرأة تقضى جزءًا كبيرًا من يومها خارج البيت، إما للدراسة أو للعمل، فالمطالبة بتوفير مصليات للنساء ليست رفاهية، لكنها حق للنساء بألا تتجمع عليهن فروض الصلاة وهن خارج بيوتهن، وأن تحقق هذه المصليات الراحة والسكينة، حيث إنها غالبًا ما تكون أماكن مهملة، ضيقة، سيئة التهوية، ويقوم عمال المسجد بتجميع كراكيب المسجد والأشياء القديمة من موكيت وسجاد بها.
تعانى المرأة المسلمة نتيجة ضيق الأفق، الذى يُنسب زورًا للإسلام، عند أدائها العبادات المرتبطة بالمساجد، وتشهد على ذلك كل من زارت المسجد الحرام. ففى المسجد الحرام تخصص مساحة صغيرة جدًا للنساء لإقامة الصلاة، وهى مساحة محددة على النساء أن يصلين فيها فقط، وباقى محيط الصحن للرجال أحرار يصلون أينما شاءوا، وهذا التقسيم ليس من الإسلام فى شىء، وقد حدث لى أن ذهبت لصلاة العصر فى المسجد الحرام، بعد أن منَّ الله علىّ بإتمام الحج، وجلست فى مكان لم يكن فيه أحد، والساحة أو محيطى لم يكن به أحد، وجلست بعد الصلاة أتأمل الكعبة المشرفة حيث كان عدد المطوفين قليلًا بسبب الشمس، وبعد قليل توافد الحجاج من الرجال والنساء، وفى هذا المقام الشريف، لا تنظر أو تهتم لمن جلس مجاورًا لك، فكلها كتل طينية ملتفة بملابس بيضاء أو سوداء جاءت كى ينفخ فيها الله من روحه فترتقى إنسانيًا وتستمد من نوره ما يشرح صدرها ويرشدها للطريق المستقيم.
ومع إقامة الصلاة، وقفت، فإذا بمن جلس على يسارى يصيح بى: «ارجعى ورا، هتصلى وسط الرجالة!». هززت رأسى ولم ألتفت إليه وقلت: نعم هصلى فى مكانى.
هذا الرجل وغيره يتحدث بحجية الفتنة، وأن المرأة عورة يجب أن تختفى، وضرورة فصل النساء عن الرجال، وقد زرع كهنة الدين فى رأسه هذه التصورات التى لم تكن حقيقية حتى فى عصر الرسول، صلى الله عليه وسلم.. فماذا عن الصحابيات؟ ومن كانت تستضيف الرسول فى بيتها وينام الرسول القيلولة فى بيتها؟ وماذا عمن كانت تدافع عن الرسول فى غزوة أحد، وتداوى إصابته؟
هذا الإصرار الغريب على الفصل بين الرجال والنساء عند الصلاة فى المسجد الحرام، والتضييق على النساء بحصر مكان صغير لهن للصلاة لا يتناسب مع أعداد المسلمات المعتمرات والحاجات، ليس من الإسلام، لكنه آثار الجاهلية، وحقد من البعض على ما منحه الله للنساء من مزايا، وكنت سابقًا أظنه احتقارًا للمرأة، ولكن بعد تفكير لا أجد إلا أنه خوف من النساء وقدراتهن، ولأن الحياة تطورت كثيرًا، وصارت المرأة موجودة بشكل طبيعى فى كل مكان، فإن كهنة الدين الذين تمتلأ أدمغتهم بتصورات صفراء عن النساء، يكادون يصرخون: «كفاية عليهم كده»، فيضيقون عليهن أماكن الصلاة فى المساجد، ويرفعون مقولات لا تتناسب مع واقع العصر.
فخيرية الصلاة فى بيتها عن المسجد ليست مطلقة، لكنها مرتبطة بظروف العصر ومشقة الذهاب للمسجد لمعظم النساء، فخفف الرسول عنها، فإذا رأت المرأة أن صلاتها فى المسجد تحقق لها الخشوع والراحة والانفصال لبرهة عن الساقية التى تدور فيها، بين طلبات العمل والبيت، فهى خير لها. إن علاقة الإنسان مع ربه لا تخضع لمنطق الحساب والعد، وما أحاديث خيرية الصلاة للمسلم فى أماكن معينة، وتفضيل أماكن على أماكن، ليست إلا للترغيب وتهوين المشقة، لكن ما سيتحصل عليه الإنسان من ثواب نتيجة عبادته هذا أمر متروك لله، فرب كلمة تعادل ألف ليلة من القيام والصلاة، إذا قبلها الله، فادعوا الله بالقبول، واتقوا الله.
وفى ظل وجود مجتمع حديث، تسهم فيه المرأة المسلمة بوافر كبير من الإنتاج، يصبح قرار وزارة الأوقاف بعدم فتح مصلى النساء قرارًا غير لائق، رغم كل الحجج الخاصة بالرغبة فى تقليل الأعداد.. تقليل الأعداد يكون على جميع الفئات دون تمييز، وليس بمنع حق من الحقوق القانونية والدستورية، وفيما يخص حجة عدم توفر من يراقب أماكن النساء، فالأولى به توفير سيدات لمتابعة هذا الأمر.. وهذه مناسبة للنظر فى مصليات النساء وتردى أوضاعها، بما لا يبخس حق المرأة المسلمة فى أداء صلاتها فى مكان لائق. أما عدم فتح مصلى النساء فهو قرار غير مدروس، وتعدٍ قانونى ودستورى على حق المرأة المسلمة فى توفير مكان لها لأداء عبادتها، كما أنه تمييز نوعى دينى بين الرجال والنساء.
فالقضية ليست الصلاة فقط، لكنها الحقوق، والعدالة، وإتاحة الفرص للجميع، وعدم التمييز النوعى أو الدينى، وأن نخضع جميعًا لقانون واحد.