رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الآلة الدعائية الإيرانية مثلًا


أكثر من ٢٠٠ نائب فى البرلمان الإيرانى انتقدوا تراجع الدعم الحكومى لوسائل الإعلام الموجهة للخارج، وشددّوا، فى بيان، على أن ذلك «أضعف المسار الثقافى العالمى للجمهورية الإسلامية»، زاعمين أن دعم تلك الوسائل «من واجبات الحفاظ على دماء الشهداء»، ومحذرين من خطورة تسليم «مفاتيح الدبلوماسية الإعلامية» لمن وصفوهم بالأعداء.
الجلسة التى عقدها مجلس الشورى الإسلامى، أو البرلمان الإيرانى، الثلاثاء الماضى، كانت مخصصة لمناقشة فرض مزيد من القيود على وسائل الإعلام الأجنبية. غير أن عددًا من النواب تطرقوا إلى أزمة المنابر الإيرانية الموجهة للخارج. وفى ختام الجلسة، قرأ روح الله متفكر آزاد، عضو هيئة رئاسة البرلمان، بيانًا أوضح فيه أن تلك المنابر تواجه مشكلات جدية على رأسها التمويل، «بينما تتطلب التطورات المهمة فى دول الجوار والمنطقة والعالم مضاعفة الحضور الإعلامى للجمهورية الإسلامية». وبعد تأكيده أن وسائل الإعلام الموجهة للخارج تأتى فى الصف الأول لما وصفه بإعلام المقاومة، أشار البيان الذى حمل ٢٠٢ توقيع، إلى أن عددًا من تلك الوسائل اضطر للتوقف بسبب تراكم الديون، بينما يكاد عدد آخر يلفظ أنفاسه الأخيرة.
البيان جاء بعد أسبوعين، تقريبًا، من قيام بيمان جبلى، نائب رئيس «الهيئة العامة لاتحاد الإذاعات والتليفزيونات الإسلامية» لشئون الخدمة الدولية، بتوجيه انتقادات للمسئولين والأجهزة المعنية، بسبب إفلاس منابر إيرانية ناطقة باللغتين العربية والإنجليزية. وقال، لوكالة أنباء «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثورى»، إنهم «لا يدركون حجم الكارثة التى تحدث، أو غير مهتمين»، وأضاف: «فى كلتا الحالتين أصبحنا عاجزين عن مواجهة دعاية الأعداء ضدنا، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه سنخسر الرأى العام بالمنطقة والعالم».
مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، تركيا، قطر و... و... وغيرها، تقوم إيران بتمويل قنوات تليفزيونية، صحف، مواقع إلكترونية، وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعى، موجهة للخارج، خاصة للعالم العربى. ونذكّرك لو كنت نسيت أننا توقفنا، منذ أيام قليلة، أمام قناة «الحرة» الأمريكية، التى أكلت بثدييها وبأثداء من استأجرتهم. وقلنا إنها تنافست مع «فرانس ٢٤» الفرنسية، على المركزين الرابع والخامس فى قائمة أكثر القنوات الموجهة كذبًا، تدليسًا وفبركة، بعد «دويتشه فيله» الألمانية و«بى بى سى» البريطانية، اللتين تتبادلان المركزين الثانى والثالث، وطبعًا، ظلّ المركز الأول من نصيب «جزيرة موزة» وأخواتها.
منابر الدعاية الإيرانية، ليست بين الخمسة الأوائل، لكنها تتنافس على المركز التاسع أو العاشر، مثلًا، مع وسائل إعلام تركية، يحركها جهاز المخابرات، وكيان اسمه «سيتا» أسسه ويستعمله حزب العدالة والتنمية الحاكم: مركز، أو وقف، للأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تم تأسيسه سنة ٢٠٠٥، ويرأسه سرحات ألبيرق، شقيق بيرات ألبيرق، صهر الرئيس التركى ووزير ماليته، وتمكّن من السيطرة على غالبية وسائل الإعلام التركية، فى الداخل والخارج، من وكالة أنباء الأناضول و«تى آر تى»، وأنت طالع أو أنت نازل. وبالتدريج صار خبراء «سيتا» يقومون بتحديد استراتيجية عمل تلك الوسائل، ومراجعة كل المواد التى تطرحها، وتنظيم المؤتمرات والدورات التدريبية الداخلية والخارجية، واصطياد وتجنيد الأجراء أو العملاء.
تقريبًا، هذا هو الدور نفسه الذى تلعبه وكالة USAGM أو «الوكالة الأمريكية للإعلام الدولى» المشرفة والممولة لـ«قناة الحرة» وأخواتها. أما فى إيران، فتلعب هذا الدور «الهيئة العامة لاتحاد الإذاعات والتليفزيونات الإسلامية»، IRIB، وهى هيئة رسمية يشرف عليها المرشد الأعلى، وتتولى وضع السياسات الإعلامية ومراقبة تنفيذها، داخليًا. وتشارك فى أنشطتها الخارجية، أو فى الخدمة الدولية عدة وزارات وهيئات وأجهزة حكومية، أبرزها وزارة الخارجية، الحرس الثورى، وجهاز المخابرات، المعروفة باسم إطلاعات.
المهم، هو أن نواب البرلمان الإيرانى الموقعين على البيان، المشار إليه، سألوا: «لماذا تأخر إقرار الموازنة الخاصة بهيئة الإذاعات والتليفزيونات، لمدة ٥ أشهر على الأقل»؟ موضحين أن هذا التأخير كان له «أثر سلبى ملحوظ على الأنشطة الخارجية للجمهورية الإسلامية، وأعطى الإعلام المضاد فرصة لتشويه سمعتها». وطالبوا بسرعة إقرار موازنة تتناسب مع «نمو القوة الإقليمية والدولية للجمهورية الإسلامية»، وتوفير احتياجات الخدمة الدولية من العملة الأجنبية.
أخيرًا، وما دام الشىء بالشىء يُذكر، أو لأن الكلام بـ«يجيب بعضه»، نشير إلى أن لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس نوابنا، وافقت منذ أيام على أول موازنة لوزارة الدولة للإعلام، بعد أن رفضت كل مقترحات أو مطالب الوزير واكتفت بما أقرته وزارة المالية. كما رفضت موازنة الهيئة العامة للاستعلامات، لأنها «لا تمثل الواقع العملى للهيئة، خصوصًا بعد إغلاق عدد كبير من مكاتبها الخارجية». ونتمنى ألا يقودك شيطانك، أو حصان خيالك، إلى ربط ذلك بما سبق، حتى لا تفسد علينا فرحة انضمام أعضاء جدد إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، وكلهم تقريبًا زملاء وأصدقاء، أعزاء وأكفاء.