رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغنوشى.. سنوات الإرهاب والتخريب «3»


تاريخيةٌ هى العلاقة بين إخوان تونس والإرهاب، وجدلية هى مسارات التقاطع بين الجماعات المسلحة وحركة النهضة، منذ نشأتها فى بداية سبعينيات القرن الماضى حتى اليوم، بزعامة راشد الغنوشى.. رؤية واضحة قدمت دليلًا على أن العملية التى راح ضحيتها عنصر من الأمن فى محيط السفارة الأمريكية بتونس، مجرد جزء من حلقات إرهابية تديرها حركة النهضة فى الخفاء وينفذها انتحاريون صغار.. وغالبًا ما تتجه الاتهامات إلى راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة الإخوانية فى تونس، باعتباره محركًا للدمى الانتحارية خدمة لأجنداته الإقليمية.. أما علاقة زعيم إخوان تونس بالاغتيالات السياسية والضربات الإرهابية، فقد كشفت عنها هيئة المحامين المكلفة بالبحث فى حقائق اغتيال القياديين اليسارى شكرى بلعيد والقومى محمد البراهمى سنة ٢٠١٣.
ويرى حزبيون تونسيون أن الإرهاب فى بلادهم وليد الدعم الإخوانى منذ ٢٠١١، لأن الأفكار التكفيرية التى زرعتها منظومة الإسلام السياسى دفعت بآلاف الشباب إلى تبنى الفكر المتطرف والانخراط فى معسكرات التدريب الإرهابية بليبيا وسوريا، بعد أن ضرب حكم الإخوان القواعد والأسس التاريخية للدولة المدنية، والمتمثلة أساسًا فى التعليم العصرى وتعويضه بمدارس قرآنية خارجة عن المراقبة الرسمية، فهذه المدارس عبارة عن ورش لتفريخ الفكر التكفيرى المتحجر من أجل تغيير نمط حياة المجتمع، وقد كشفت السلطات الأمنية التونسية عن وجود مدرسة قرآنية بمنطقة «الرقاب» من محافظة سيدى بوزيد، مهمتها إعداد جيل من «الجهاديين» للالتحاق بالجماعات المسلحة المتمركزة فى الجبال الغربية للبلاد.
ومنذ أن عرفت تونس الإرهاب بوجهه القبيح، كانت حركة النهضة الإخوانية وزعيمها راشد الغنوشى، أول جهة تتبادر إلى الأذهان، فقد ارتبط وجودها بالتطرف والأعمال التخريبية الدموية فى العقل الجمعى التونسى، بل إن البعض حمّل الغنوشى المسئولية الأخلاقية والقانونية عن جميع الضربات الإرهابية التى تعرضت لها تونس منذ ٢٠١١.. من ذلك، علاقته بزعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابى سيف الله بن حسين «المعروف بأبى عياض»، الذى دعاه فى فيديو شهير تم تسريبه بضرورة اختراق أجهزة الأمن والجيش التونسى، ولا يخفى أن تنظيم أنصار الشريعة هو الحديقة الخلفية للغنوشى، وخزانه الاحتياطى لإدارة اللعبة الإرهابية، بل الجناح المسلح للإخوان الذى ارتكب جرائم إرهابية فى هذا البلد، تجاوز عدد ضحاياها ٧٠٠ شخص، من جنود وأمنيين ومدنيين، منذ عام ٢٠١٢.
ولم يمنع تصنيف «أنصار الشريعة» تنظيمًا إرهابيًا من قِبل السلطات التونسية مواصلة العلاقات السرية بينه وبين قيادات من حركة النهضة، بل إن مصادر أمنية تونسية أكدت أن ذروة الضربات الإرهابية كانت فى أعوام ٢٠١٢ و٢٠١٣ و٢٠١٤، وهى الفترة التى ترأست فيها حركة النهضة حكومتى على العريض وحمادى الجبالى.. وفى مطلع فبراير الماضى، أثبتت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمى «أكثر من مائة محامٍ»، علاقة الغنوشى الخاصة بأحد منفذى جريمة اغتيال بلعيد فى ٢٠١٣، ولا يختلف المراقبون على أن الغنوشى بات الشخصية الأكثر رفضًا من قبل التونسيين، حسب استطلاعات رأى أجرتها شركة «سيجما كونساى» مؤخرًا، حيث لا يثق ٦٨٪ من أبناء هذا البلد فى خطابه وتوجهاته.. ليس هذا فحسب؛ بل إن المعارضة اليسارية والديمقراطية فى تونس ترى أن الغنوشى «مخرب» لاقتصاد البلاد وأمنها، ومُدافع بكل ثقله حتى يصبح التطرف سلوكًا يوميًا فى المجتمع.. ويستقر الرأى العام فى تونس على أن الإرهابيين الذين نفذوا «عملية سوسة سنة ٢٠١٥» و«عملية جندوبة ٢٠١٤» و«عملية الحبيب بورقيبة ٢٠١٨»، هم نتاح للاستقطاب الإخوانى، وثمرة غير صالحة لمنظومة التخريب التى أرست حركة النهضة قواعدها.
النيابة التونسية فتحت مؤخرًا تحقيقًا موسعًا ضد قيادات منتمين لحركة النهضة الإخوانية وشخصيتين أمنيتين سابقتين، فيما يعرف بقضية الجهاز السرى، حيث تتهم حركة النهضة بسرقة وثائق خاصة تدين الجهاز السرى لإخوان تونس، وتورطه فى عمليات التصفية الجسدية لخصومها وكل من يحمل فكرًا مخالفًا للإخوان.. هذه الوثائق تكشف عن مكان إخفاء الأسلحة التى تم استعمالها فى عمليتى اغتيال بلعيد والبراهمى سنة ٢٠١٣، وهو أحد الشواطئ على السواحل الشرقية لتونس، وأن عملية البحث استمرت أربعة أيام وتم توثيقها من قبل فرق من الغطاسين من البحرية التونسية، إلا أن هذه الفيديوهات والوثائق التى تثبت تورط حركة النهضة فى عملية الاغتيال تمت سرقتها.. وسبق أن كشفت هيئة الدفاع فى هذه القضية، أوائل ٢٠١٩، عن العلاقة المشبوهة السرية بين فرعى الإخوان فى تونس ومصر عام ٢٠١٢، لتبادل أجهزة تنصت، وعمليات التنسيق الثنائية للقيام باغتيالات سياسية فى البلدين، مؤكدة أن الغنوشى هو رئيس التنظيم السرى للإخوان فى البلاد.
ومع أن الدستور التونسى يقضى بتجريم كل ألوان التكفير، حيث جاء فى فصله السادس أن «الدولة تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدى لها»، إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية فى تونس تسعى إلى تشريع «التكفير» فى البرلمان، فى خطوة اعتبرتها المعارضة ذريعة من التنظيم لتصفية خصومه، وإشاعة لأجواء تحريضية يريد الإخوان فرضها لترهيب كل صوت معارض للجماعة، فى وقت يتنامى فيه الخطاب العدائى من بعض أئمة المساجد التابعين لحركة النهضة، لعله يكون تمكينًا للإسلام السياسى من أجهزة الدولة، عبر الخطاب المتشدد الذى يهدد المجتمع ومسار التحديث السياسى فى البلاد، غير مبالين بأن مزج الدين فى السياسة هو تأسيس لديكتاتورية دينية، تؤسس لفلسفة القتل على أساس الاختلاف، وتزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وتعتبر خطوة لإدخال البلاد فى العنف والدماء.
ولم تتوقف عجلة إرهاب النهضة عند إدارة حملات التحريض ضد الإعلاميين والصحفيين فقط، ولكنها وصلت إلى الطلبة ذوى التوجه اليسارى، حيث بدأت حوادث العنف الإخوانى تغزو الجامعة التونسية، منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية.. حتى الرئيس قيس بن سعيد، لم يسلم من مناكفات الحركة له، بمحاولتها السيطرة على التشكيل الجديد للمحكمة الدستورية، لعرقلة عمله وسيطرتهم على صياغة المسائل الدستورية.. وهو حديث الأسبوع المقبل.
حفظ الله مصر وسائر بلادنا.. آمين.