رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض كرم مطاوع




عبدالرحمن الشرقاوى، كاتب لمع فى الخمسينيات والستينيات، أيام ما مصر كانت مليانة كُتاب، وفيه صحافة مؤثرة، جامعة لـ النخبة كلها، من مختلف الأصول والطبائع والتكوينات.
الشرقاوى مثلًا، كان محاميًا، حيث إنه خريج حقوق، لكنه اعتزل المحاماة وركز مع الكتابة، إيشى مقالات، إيشى مسرح، إيشى إبداع، إيشى شعر، إيشى إسلاميات، وكل ما تشتهى الأنفس.
أول رواية كتبها اتنشرت سنة ١٩٥٤، كانت رواية «الأرض»، الرواية بـ مقاييس سنة صدورها فارقة، هو نفسه فى فقرة منها، بـ يقارن بين تصويره لـ القرية، وتصوير اللى سبقوه، فى رواية «زينب» مثلًا، وإزاى إنه تصويره لـ القرية «واقعى»، عارض فيه عالم الفلاحين بـ جد، ومشاكلهم الفعلية، فـ الرواية خدت اهتمام نقدى، فيه اللى أشاد بيها، وفيه اللى هاجمها، لكنها على مستوى النخبة كانت حدث، إنما برضه ما كانتش حاجة شعبية.
الشرقاوى، اشتغل كذا حاجة بعد الرواية، اتعرّف على يوسف شاهين، وعملوا مع بعض فى أكتر من مشروع، فيلم الناصر صلاح الدين، فيلم جميلة، صحيح الشرقاوى اشتغل فى الفيلمين ضمن فريق كتابة كبير، ما كانش هو المؤلف الوحيد لـ العمل، إنما دا خلى فيه اتصال مع شاهين، وخلى فيه فكرة، إنه ليه ما نعملش رواية الأرض فيلم.
فضل المشروع مطروح كـ فكرة، سنين طويلة، لـ حد ما قامت النكسة، فـ بدأت الفكرة تبقى أبرز، ويتحمس لها أطراف تانيين، فكرة رواية قائمة على التمسك بـ الأرض، وبعيدة عن أجواء الحرب، كانت فكرة نميسة وقتها، ما أعرفش إيه اللى طرح حسن فؤاد، حسن فنان مصرى شامل، هو فنان تشكيلى، بس برضه صحفى وكاتب، إنما مالوش فى السينما، يعنى هو ما عملش دراما غير فيلم الأرض، إنما حسن كان دينامو المشروع.
راح أجر شقة فى إسكندرية، جنب شقة عبدالرحمن الشرقاوى فى خالد بن الوليد، وبدأ يكتب السيناريو، وكان بـ يتابع الدنيا يوسف شاهين وكرم مطاوع، المفروض كرم كان يشتغل معاهم، وفعلا أسهم فى تحضيرات كتيرة، بـ ما فيها معاينات التصوير، وكان هو صاحب فكرة النهاية.
النهاية فى الرواية طبعًا مختلفة، وكان فيه شخصية بـ تظهر، هى شخصية «كساب»، اللى بـ ينطرح كـ عريس لـ وصيفة، وشريك لـ محمد أبوسويلم، فى مشروع وابور طحين، هـ يعمله بـ فلوس التعويضات، اللى هـ تطلع له نتيجة سحب الأرض منه علشان يعملوا الطريق الزراعى.
كرم اقترح إنه نقفل الفيلم، مع مشهد حديد الطريق، وهو داخل الأرض، ومأمور القسم بـ يسحل محمد أبوسويلم، وما يبقاش فيه، لا كساب، ولا وابور طحين، ولا أى نقطة نور فى الموضوع، سواد كدا وخلاص، سحب الأرض وسحل والسلام عليكم ورحمة الله.
فكرة كرم قابلت ترحيب الجميع، هو دا الفرق فى رأيى بين سنة ١٩٥٤ وسنة ١٩٦٨، سنة صدور الرواية وسنة كتابة السيناريو، فى ١٩٥٤ ما كانش ينفع يقفلها كدا، حتى لو الأحداث بـ تدور سنة ١٩٣٣، إنما محدش كان هـ يتحمس لـ السواد دا، خصوصًا أن الرواية بـ تبدأ بـ أزمة، تطلع منها أزمة أكبر، تؤدى لـ أزمة أكبر وأكبر، وكل شخصياتها عندها مشكلات كبيرة، وبـ تفتح ملفات كتير: الإقطاع، العمدة، الدولة، حتى رجل الدين، طارحها من خلال الشيخ الشناوى، فـ مفيش داعى يقفلها بـ السواد دا.
إنما بعد النكسة، كان المزاج متماشى مع فكرة كرم، هو كدا وإذا كان عاجب، لسه الكلام متواصل مع الأرض، فـ ابقوا معنا.