رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى افتتاح الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية




مع أضخم تجمع دينى مسيحى عالمى، حدث على أرض مصر الطيبة، احتفل الرئيس جمال عبدالناصر والإمبراطور هيلا سيلاسى الأول إمبراطور إثيوبيا، والبابا كيرلس السادس «١٩٥٩- ١٩٧١» البطريرك ١١٦ بافتتاح أضخم كاتدرائية فى الشرق الأوسط، وذلك يوم الثلاثاء ٢٥ يونيو ١٩٦٨.
فى هذا اليوم، اتجهت أنظار العالم كله نحو القاهرة، حيث كان يجتمع ممثلو كنائس العالم وعددها ٢٢٥ كنيسة فى ٣٠ دولة، لمشاركة الكنيسة القبطية فى هذه المناسبة الجليلة، ومن خلفهم ١٧٢ صحفيًا أجنبيًا ذاعوا ونشروا، فى أنحاء العالم، أخبار هذا الحدث الفريد.
واليوم فى تذكار مرور ٥٢ عامًا على هذا الحدث التاريخى والخالد يطيب لى أن أسجل كلمة فى هذه الذكرى الطيبة التى يعتز بها كل مصرى. للتاريخ نسجل أنه فى عام ١٩٦٧ أعلنت البطريركية عن مسابقة عامة بين المهندسين لتقديم أفضل مشروع للكاتدرائية المرقسية الجديدة بالعباسية، وتشكلت لجنة لاختيار أفضل المشروعات، وهو المشروع الذى تقدم به الدكتور عوض كامل فهمى عميد كلية الفنون الجميلة العليا، وشقيقه المهندس سليم كامل فهمى.
وفى أغسطس ١٩٦٧ بُدئ فى حفر الأساسات بمعرفة الشركة التى وقع عليها الاختيار لتقوم بهذا العمل الضخم، هى شركة النيل العامة للخرسانة المسلحة «سيبكو»، والتى تمكنت من إتمام العمل الجليل فى نحو عشرة أشهر!! بعد أن جندت نخبة كبيرة من المهندسين التنفيذيين، ٧٠٠ عامل فنى، ٣٠٠ صانع، ١٠٠٠ عامل.. وبلغت التكاليف المبدئية حتى ٢٥ يونيو ١٩٦٨ نحو ٣٥٠ ألف جنيه مصرى، وأقيمت الكاتدرائية على مساحة ٦٢٠٠ متر مربع.
يوجد بالكاتدرائية مدفن خاص بالقديس مرقس- كاروز الديار المصرية- والذى عادت رفاته من كاتدرائية سان ماركو بفينسيا بإيطاليا، وتسلمها وفد بابوى برئاسة الأنبا مرقس، مطران أبوتيج، من البابا بولس السادس، بابا الفاتيكان، فى ٢٢ يونيو ١٩٦٨ فى ذكرى مرور ١٩ قرنًا على استشهاد القديس مرقس بشوارع مدينة الإسكندرية.. هذا المدفن من الجرانيت الأحمر، مربع الشكل طول ضلعه ١٧٠ سنتيمترًا، أما ارتفاعه فيصل إلى المتر. ويوجد بالكاتدرائية قاعة للاحتفالات، تقع أسفل الكاتدرائية، مساحتها تبلغ ١٤٤٠ مترًا مربعًا، وتسع لنحو ٢٠٠٠ مدعو. أما الكاتدرائية الكبرى فبها تسعة أبواب، وتبلغ مساحتها ٢٥٠٠ متر مربع، وارتفاعها نحو ٢٥ مترًا، وتسع لعدد ٨٠٠٠ شخص. مساحة قدس أقداس الكاتدرائية «الذى يُطلق عليه اسم الهيكل» نحو ١٢٦ مترًا مربعًا. يعلو الهيكل قبة كبيرة ارتفاعها نحو ٥٥ مترًا.
وكانت اللجنة الاستشارية العليا تضم نخبة من المهندسين وأساتذة الجامعات المصرية، وهم: مهندس إبراهيم نجيب، م. يوسف سعد، د. وليم سليم حنا، نجيب أستينو، د. ميشيل باخوم، لواء توفيق إسحق عوض.. كما أنه لا يمكن إغفال الدور المهم الذى قام به السيد وزير الإسكان الدكتور حسن مصطفى بتوجيهات مباشرة من الرئيس جمال عبدالناصر، والسادة رئيس مجلس إدارة الشركة المهندس عدلى أيوب، ومدير عام الشركة، والمهندس فتحى أيوب، والمهندس المُقيم بالمشروع جورج عوض الله، والمهندس الأرمنى أرشاك معتمديان.. كما أن البابا كيرلس كان قد عهد إلى المهندس مفيد الصيفى بأن يكون المهندس المُقيم من قِبل البطريركية للإشراف على العمل.
فى مثل هذا اليوم وفى تمام الساعة التاسعة صباحًا، حضر إلى السرادق الكبير الذى أُقيم بجوار الكاتدرائية الجديدة الرئيس جمال عبدالناصر وفى صحبته الإمبراطور هيلا سيلاسى والسيد حسين الشافعى، نائب رئيس الجمهورية، والسيد أنور السادات، رئيس مجلس الأمة، والسيد عبدالخالق حسونة، سكرتير عام جامعة الدول العربية، وكان فى استقبالهم قداسة البابا كيرلس السادس، وأعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية، وضيوف قداسة البابا كيرلس من أنحاء العالم من ممثلى كنائس العالم من نيوزيلندا وأستراليا جنوبًا إلى الدنمارك والنرويج شمالًا، ومن اليابان والفلبين والاتحاد السوفيتى شرقًا إلى كندا وأمريكا غربًا.
وجلس الرئيس فى مكانه بالصدارة، وإلى يساره البابا كيرلس السادس، وعن يمينه جلالة الإمبراطور هيلا سيلاسى، ثم رؤساء الوفود المشاركة. وفى جانب المنصة جلس أعضاء الوفود ورؤساء الكنائس ومندوب فخامة شيخ الأزهر وتلميذ البابا كيرلس السادس الشماس روفائيل صبحى «حاليًا الراهب القمص رافائيل آفا مينا»، وفى الجانب الآخر من المنصة جلس رجال السلك الدبلوماسى وكبار الزوار.. وقام بتقديم المتكلمين الأنبا صموئيل «١٩٦٢- ١٩٨١» أسقف الخدمات العامة والاجتماعية.
فى الكلمة التى ألقاها سكرتير المجمع المقدس، نيابة عن البابا كيرلس السادس، جاء فيها: «نشكر الله على هذه النعمة العظيمة إذ جعلنا أهلًا بأن نُحيى هذه الذكرى المباركة التى تشهد بعمل الله ومحبته وأمانته على مر الأجيال.. هذا التراث الروحى والحضارى الذى ازدهر فى هذه البلاد المباركة بمجىء قديسنا مار مرقس إليها منذ ألف وتسعمائة عام- قدمه أبناء مصر وإخوانهم فى إفريقيا أولًا ثم فى أنحاء العالم ليشاركوهم فى نعم الله، وأصبح جزءًا من التراث الحضارى العالمى، ويسرنى أن أذكر بالفخر والإعجاب فى هذه المناسبة ما تفضل به السيد الرئيس جمال عبدالناصر من إرساء حجر أساس هذه الكاتدرائية خلال أعياد العام ١٣ للثورة المجيدة فى ٢٤ يوليو ١٩٦٥ ومن المساهمة القيمة التى قدمها سيادته فى إقامتها تعبيرًا عن سماحته وكريم مشاعره..».
وفى نهاية الكلمات العديدة التى أُلقيت نهض البابا ومعه الرئيس والإمبراطور يتبعهم رؤساء الوفود وكبار الزوار إلى الكاتدرائية، حيث تقدم البابا والرئيس والإمبراطور فأزاحوا الستار عن اللوحة التذكارية. ثم انصرف الرئيس والإمبراطور وعاد البابا كيرلس إلى قلايته البسيطة بالمقر البابوى بالأزبكية، محدثًا بكم صنع الله معه من عظائم فى ذلك اليوم العظيم. كما قام قداسته بتكليف الأستاذ بديع عبدالملك «١٩٠٨- ١٩٧٩» خبير رسم الخط والنقش الفرعونى بإعداد لوحة تذكارية تحمل أسماء الآباء البطاركة الخمسين الأوائل فوق المقبرة التى تحمل رفاتهم بالكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية. وفعلًا تم هذا العمل الضخم فى صورة رائعة تليق بمكانة الكنيسة القبطية.
كما أنه فى لفتة طيبة من هيئة البريد المصرية أصدرت فى هذه المناسبة التاريخية طابعًا بريديًا فئة ٨٠ مليمًا «خاص بالبريد الجوى»، يحمل رسم الكاتدرائية وبجوارها رسم القديس مرقس. وفى هذه الذكرى الطيبة نطلب أن تحل بركة الله على الكنيسة، ويغدق بخيراته على ربوع مصر.. ونحيا فى سلام واستقرار.