رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان يلاعب فرنسا.. بقذارة


من «اللعبة الخطيرة»، التى تمارسها تركيا فى ليبيا، حذّر الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، وأكد أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لكل دول المنطقة، خلال مؤتمر صحفى عقده مع نظيره التونسى فى باريس، يوم الإثنين، وبـ«لعبة قذرة»، تكررت كثيرًا، ردّ الرئيس التركى فى اليوم نفسه.
الرئيس الفرنسى أكد أنه قال «الكلام نفسه» فى مكالمة تليفونية مع الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، جرت فى اليوم نفسه، ودعا إلى «وقف التدخلات الأجنبية والأعمال الأحادية التى يقوم بها مَن يسعون إلى تحقيق مكاسب»، وأشار إلى السلوك العدائى الذى تعاملت به سفينة تركية ضد قطعة بحرية فرنسية فى البحر المتوسط، والذى فتح حلف شمال الأطلسى تحقيقًا بشأنه، مؤكدًا أن هذا الحادث يشكل «أحد أبرز الإثباتات على موت الحلف السريرى». كما أعلن ماكرون عن دعمه للمبادرة التى طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقال إنه لا يريد الانتظار لستة أشهر، أو سنة، أو سنتين حتى يرى ليبيا فى نفس الموقف الذى تعيشه سوريا اليوم.
لفرنسا موقف واضح من الأزمة الليبية. وكنا قد أشرنا، منذ أيام، إلى نجاحها فى إجهاض صفقة أو مقايضة، تتلخص فى قيام تركيا بإخراج التنظيمات الإرهابية من إدلب السورية، مقابل أن تسمح لها روسيا بالسيطرة على مدينة سرت الليبية، ونقلنا عن مصادر عديدة، أن فرنسا لوّحت، أو هدّدت، بأنها ستتصدى لأى هجوم قد تتعرض له سرت، الواقعة فى منتصف المسافة بين طرابلس وبنغازى، وأقرب المدن إلى موانئ تصدير النفط الليبى، والتى تراها باريس بوابتها إلى إفريقيا، وبسبب هذه الضغوط أو التهديدات، وربما بسبب صفقة بديلة، تم إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان، الأحد قبل الماضى، إلى تركيا.
ردًا على هذا وذاك، لجأت السلطات التركية إلى لعبة قذرة ومفضوحة، سبق أن لعبتها كثيرًا مع دول عديدة، وسربت، عبر جريدة «صباح»، الموالية لها، خبر إلقاء القبض على أربعة أتراك، زعمت أنهم تجسسوا على جمعيات وأوساط دينية لحساب فرنسا، وطبقًا لما ذكرته الجريدة، فإن موظفًا سابقًا فى جهاز أمن القنصلية الفرنسية فى إسطنبول، اسمه متين أوزدمير، قام بتسليم نفسه للشرطة التركية، واعترف بأنه جمع معلومات لحساب المخابرات الفرنسية، من بينها معلومات عن ١٢٠ شخصًا، مقابل راتب شهرى ووعد بالعمل فى الفيلق الأجنبى التابع للجيش الفرنسى.
بزعم أنه يعمل فى المخابرات التركية، قام أوزدمير، بحسب الرواية التركية، بتجنيد ثلاثة أشخاص: موظف فى مؤسسة توزيع المياه التابعة لبلدية إسطنبول وشخص يعمل فى الاتصالات وصاحب فندق فى إسطنبول، وكانت مهمة «شبكة التجسس»، كما وصفتها الجريدة، هى جمع معلومات عن «جمعيات محافظة»، مثل جمعية «النساء والديمقراطية»، التى تشرف عليها الابنة الصغرى للرئيس التركى، ثم زعمت الجريدة، أو الجهة التى سربت لها الخبر، أن أوزدمير سلّم نفسه للسلطات التركية بعد خلاف مع العملاء الفرنسيين، وأشارت إلى أن الرجال الأربعة، ستجرى محاكمتهم بتهمة التجسس فى موعد لم يتحدد بعد.
اللعبة، كما أشرنا، باتت مفضوحة وتكررت كثيرًا، إذ سبق أن احتجزت أجهزة «أردوغان»، مثلًا، القس الأمريكى أندرو برونسون، ووجهت له تهمة التآمر والتجسس، ومنتصف سبتمبر الماضى، قامت السلطات التركية بإلقاء القبض على محامٍ تركى كان يعمل لحساب السفارة الألمانية، واتهمته أيضًا بالتجسس، وكلما توترت العلاقات بين تركيا وألمانيا، تقوم أجهزة أردوغان باعتقال ألمان أو أتراك يحملون الجنسية الألمانية، ولم تتوقف، مع أن العلاقات بين البلدين تعرضت لأزمة حادة، سنة ٢٠١٧ بسبب قيام السلطات التركية بإلقاء القبض على عدد من المواطنين الألمان، قبل أن تضطر إلى إطلاق سراحهم.
تركيا تعتقل صحفية بارزة بتهمة التجسس السياسى والعسكرى «١٢ يونيو ٢٠٢٠».. اعتقال صحفيين فى تركيا بتهمة التجسس «٨ يونيو ٢٠٢٠».. تركيا تعتقل ناشطًا حقوقيًا بتهمة التجسس «١١ مارس ٢٠٢٠».. تركيا تعتقل سائحين روسيين بتهمة التجسس «١٣ أبريل ٢٠١٦»، تركيا تستدعى القائم بالأعمال الأمريكى بسبب التجسس «١ سبتمبر ٢٠١٤»، و... و... وهناك مئات العناوين أو الأمثلة على قضايا شبيهة، انتهت كلها تقريبًا إلى لا شىء بعد تسويات أو صفقات مع الدول، أو الجهات، التى زعمت أجهزة أردوغان أن المتهمين أو الضحايا تجسسوا لحسابها!.
الأمثلة على لجوء تركيا إلى هذا النوع من اللعب القذر أكثر من الهم على قلب مواطن تركى صالح، يؤلمه قطعًا أن يرى بلاده، بجيشها، شرطتها، مخابراتها، برلمانها، قضائها، تتحول على يد رجب طيب أردوغان إلى تشكيل عصابى، يحاول اقتناص ما تطاله يداه من ثروات الدول الضعيفة، ويقوم بابتزاز الدول القوية، إما باللاجئين أو عبر قضايا تجسس تلفقها أجهزته، أو اتهامات يطلقها غلمانه، أو بعمليات إرهابية تقوم بها التنظيمات التى يدعمها ويستخدمها.