رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذئب منفرد.. أم عميل متمرد؟


طالب لجوء ليبى، عمره ٢٥ سنة، اسمه خيرى سعدالله، قتل ثلاثة بريطانيين، وأصاب ثلاثة آخرين بجروح خطيرة، قبل أن ينقض عليه ضابط شرطة، تصادف وجوده فى المكان، ولأسباب غير معروفة، قال مات هانكوك، وزير الصحة، إن الحادث ليس إرهابيًا، فى حين ذكرت الشرطة البريطانية، فى بيان، أنها تتعامل مع الحادث على أنه «عمل إرهابى»، ونقل البيان عن دين هايدون، كبير منسقى شبكة مكافحة الإرهاب، أن الشبكة هى التى ستتولى التحقيق فى الحادث.
شهود عيان قالوا إن الشاب، طالب اللجوء الليبى، طعن ضحاياه بسكين، أثناء تجمعهم خلال أمسية صيفية فى متنزه «فوربورى جاردينز» فى ريدينج التى يسكنها ١٦٠ ألف مواطن، وتقع على بعد ٧٠ كيلومترًا تقريبًا من العاصمة لندن، ونقلت جريدة «صن» البريطانية، عن مصادر، أنه كان معروفًا للشرطة البريطانية لأنه قضى ١٢ شهرًا، على الأقل، فى السجن بسبب جرائم، قالت «بى بى سى» إنها غير مرتبطة بالإرهاب، وذكرت شبكة «سكاى نيوز» أنها جرائم مرتبطة بالعنف. لكن ما لم يتم تفسيره هو أن المذكور ظل فى بريطانيا ولم يتم ترحيله، كما يحدث عادة مع طالبى اللجوء حال ارتكابهم أى جرائم بسيطة!.
الذئب المنفرد هو ذلك الإرهابى الذى يعمل مع نفسه، دون تنسيق مع تنظيم أو جماعة، لكن ما يجعلننا نتشكك فى كون خيرى سعدالله ذئبًا منفردًا، هو أنه ذو سوابق، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة المعقدة والشائكة بين المخابرات البريطانية والإرهابيين، والليبيين منهم تحديدًا، مع ملاحظة أن نجاح إرهابيين، أو لاجئين، موضوعين تحت الرقابة أو تحت السيطرة، بشكل متكرر، فى ارتكاب جرائم، يؤكد وجود ثغرات فى النظام الأمنى والمخابراتى البريطانى.
العلاقة بين المخابرات البريطانية والإرهابيين الليبيين، ليس معقدة، فقط، بل شديدة التعقيد. فى تسعينيات القرن الماضى، مثلًا، استضافت بريطانيا أبوأنس الليبى، الذى شارك لاحقًا فى هجوم نفذه تنظيم القاعدة على سفارات أمريكية فى شرق إفريقيا، وأدرجه مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، سنة ١٩٩٨، على قائمة أكثر الأشخاص المطلوبين، ولم تتمكن الولايات المتحدة من إلقاء القبض عليه إلا سنة ٢٠١٣ فى العاصمة طرابلس، ومات فى السجون الأمريكية، سنة ٢٠١٥، قبل بدء محاكمته.
أيضًا، كانت بريطانيا هى الملاذ الآمن للإرهابى الليبى عبدالحكيم بلحاج، أحد قادة «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، إلى أن سافر السير ريتشارد ديرلوف، رئيس جهاز المخابرات «إم آى 6»، ومارك ألين، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب بجهاز المخابرات البريطانية، فى فبراير ٢٠٠٣، إلى طرابلس، وبعدها بأسابيع، قامت عناصر من المخابرات الأمريكية باختطاف بلحاج وزوجته فى العاصمة التايلاندية بانكوك، وتم تسليمهما إلى ليبيا.
وثائق، تم الكشف عنها فى فبراير ٢٠١٨، أوضحت أن ضابطة من المخابرات البريطانية سافرت إلى طرابلس، بعد أيام من تسليم «بلحاج» وسألت عن مدى تعاونه فى التحقيقات، بعد أن طلبت من نظرائها الليبيين توجيه عدد من الأسئلة إلى بلحاج، وأخبرتهم، بعد تلقيها الإجابات، عن مكان تواجد قيادى آخر فى «الجماعة الليبية المقاتلة»، هو سامى السعدى، الذى أقام دعوى ضد الحكومة البريطانية فى ٢٠١٢، يُحملها فيها المسئولية عن تعرضه للتعذيب داخل السجون الليبية.
فى اتفاق تسوية خارج نطاق المحكمة، حصل السعدى على ٢ مليون و٢٠٠ ألف جنيه إسترلينى من الحكومة البريطانية على سبيل التعويض، والشىء نفسه تقريبًا، تكرر مع «بلحاج»، الذى يقيم فى تركيا ويدير إمبراطورية مالية بدعم تركى قطرى، ظهرت تأكيدات، فى يوليو الماضى، بأن طائرات شرطة «الأجنحة الليبية»، التى يملكها، قامت بنقل إرهابيين ومرتزقة من إدلب السورية إلى ليبيا عبر الأراضى التركية.
قلوبنا طبعًا مع ضحايا حادث «ريدينج» المأساوى، وعائلاتهم وأصدقائهم، ونتمنى الشفاء للمصابين، غير أن ذلك، لن يمنعنا من انتهاز تلك الفرصة، غير السعيدة، للإشارة إلى أن بريطانيين كثيرين لقوا مصرعهم نتيجة تساهل السلطات البريطانية مع إرهابيين أو متطرفين، فروا من بلادهم، بزعم أنهم معارضون سياسيون ونشطاء، مع أنهم لم يمارسوا العمل السياسى، ولم ينشطوا إلا فى جماعات إرهابية أو متطرفة تحض على الكراهية والعنف.
هذا، فى تصورنا، هو الدرس الأهم، الذى ينبغى أن يتعلمه بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، الذى عقد اجتماعًا، الأحد، مع مسئولين أمنيين ووزراء، قال فيه: «إذا كانت هناك دروس نحتاج إلى تعلمها، سنتعلمها، ولن نتردد فى اتخاذ أى إجراءات إذا اقتضى الأمر». لكن، أفلح إن صدق، يبدو أن بريطانيا لم تتعلم أى درس، أو تستخلص أى عبرة، من حوادث إرهابية شبيهة، بدليل أنها لا تزال تحتضن إرهابيين كثيرين، بينهم قادة جماعة «الإخوان» وتنظيمها الدولى، وتغمض أعينها عن سيطرتهم على منابر مساجد، ووسائل إعلام، تمولها تركيا وقطر وغيرهما من الدول الداعمة للإرهاب.