رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستثمار فى البشر.. والبقر!


البقر، لو كنت خواجة، جنس من فصيلة البَقَرِيَّات يشمل الثور والجاموس، منه المستأنس ومنه الوَحْشى، وهناك نوع جديد، قام علماء وخبراء شركة «ساب بايوثيرابيوتيكس» الأمريكية بهندسته وراثيًا لمنحه جهاز مناعة يشبه نظيره لدى الإنسان. وبهذه الطريقة، شديدة التعقيد، صار بإمكان هذا النوع من البقر إنتاج أجسام بشرية مضادة لفيروس «كورونا المستجد»، وبدأ العد التنازلى لظهور علاج أو لقاح مستخرج من تلك الأجسام المضادة.
هذا النوع من البقر، يختلف كليًا عن ذلك الذى قطعت قناة «الجزيرة» القطرية إرسالها، منذ ثلاث سنوات، لنقل مراسم استقبال أمير البلاد له فور وصوله إلى مطار الدوحة قادمًا من أستراليا فى «أكبر جسر جوى بقرى فى التاريخ»، بحسب وصف وكالة «بلومبرج»، التى كشفت لاحقًا عن أن تلك الدويلة فشلت فى استثمار ٤ آلاف بقرة، لأنها استوردتها دون دراسة الظروف المناخية والطبيعية التى يجب أن تعيش فيها. ومع ذلك، زعم لاعب كرة قدم سابق أن تلك الدويلة، التى عجزت عن الاستثمار فى البقر، تمكنت من الاستثمار فى البشر، تعليقًا على افتتاح «استاد المدينة التعليمية»، الذى قامت بتصميمه وتنفيذه شركة إسبانية، وتولت إدارة المشروع شركة يعمل بها أكثر من ٥٠ جنسية، وتم استيراد ٨٥٪ من مواد بنائه والـ١٥٪ الباقية معاد تدويرها!
شركة «إف آى إيه فينويك إيريبارن آركيتكتس»، FIA Fenwick Iribarren Architects، الإسبانية، هى التى قامت بتصميم وتنفيذ الاستاد، أما التى تولت إدارة المشروع فهى شركة «استاد لإدارة المشاريع»، التى يرأس مجلس إدارتها عبدالله حسين الكبيسى، وهو «رجل يجيد المعادلات الكيميائية والنظريات الإدارية، ويشغل منصب المدير التنفيذى لمكتب صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حيث يتولى إدارة وتنفيذ المبادرات المحلية والدولية لصاحبة السمو»، وما بين التنصيص نقلناه من جريدة الوطن القطرية، و«مستعينة بفريق عمل ممتاز يضم أكثر من ٥٠ جنسية، تقدم شركة استاد ثروة معرفية على طراز عالمى»، كما قال على بن ناصر آل خليفة، الرئيس التنفيذى للشركة، فى تصريحات لجريدة الشرق القطرية.
فور قيام الفتى تميم بن حمد بافتتاح هذا الاستاد، ظهر اللاعب السابق، الأجير القطرى الحالى، على شاشة «بى إن سبورت» القطرية، ليزعم أن تلك الدويلة «استثمرت فى البشر»، مؤكدًا أن الاستثمار فى العقول، بحسب زعمه، هو أهم ما يميزها. وطبعًا، قوبلت هذه التصريحات باحتفاء كبير من عدد من كبار المسئولين القطريين، وأعاد نشرها خليفة بن حمد، شقيق الفتى تميم، فى حسابه على تويتر. وهكذا، ولمجرد أنها قامت بتمويل المشروع واستئجار أو شراء لاعب كرة سابق، مريض بالدونية ويجيد لعق الأحذية، صارت دويلة قطر تمتاز بالاستثمار فى العقول، ما يعنى أن الاستثمار فى البقر أو العقول أكثر تكلفة وتعقيدًا وصعوبة.
حتى تتمكن الشركة الأمريكية الرائدة فى تطوير الصناعات البيولوجية من الاستثمار فى البقر، أخذ علماؤها وخبراؤها خلايا من جلد بقرة وأخرجوا الجين المسئول عن إنشاء أجسام مضادة، ووضعوا مكانه جينًا صناعيًا ينتج أجسامًا بشرية مضادة، ثم وضعوا تلك الخلايا فى بقرة أخرى وحوّلوها إلى جنين، وعلى مدى العقدين الماضيين أنتجوا عدة مئات من الأبقار المتطابقة وراثيًا، مع أجهزة المناعة البشرية. ومع ظهور فيروس «كورونا المستجد» قاموا بحقن بعضها بالفيروس، فأنتجت أجسامًا مضادة بشرية تقاوم الفيروس، وصار لدى شركة «ساب» مئات الجرعات من العقار الذى أطلقت عليه اسم «ساب ١٨٥»، قالت إنها ستستخدمها فى تجاربها السريرية، دون أن تعلن عما إذا كان هذا العقار للوقاية أم للعلاج أم للاثنين معًا؟!.
ما قد يعزز فرص نحاج تلك التجارب، هو أن لدى البقر استجابة مناعية أقوى من البشر، بالإضافة إلى أن هذه الاستجابة تصبح أقوى مع الحقن المتكررة بالفيروس التاجى، كما أن البقرة يمكن أن تعطى البلازما ثلاث مرات فى الشهر، مقابل مرة واحدة لدى البشر. وقال إيدى سوليفان، الرئيس التنفيذى للشركة، فى بيان نقلته شبكة «سى إن إن»، إن التجارب المعملية أثبتت نجاحًا، لكنه لم يذكر عدد الأشخاص الذين سيخضعون للتجارب السريرية أو المدة التى ستستغرقها تلك التجارب، مكتفيًا بالإشارة إلى أن التجارب البشرية ستبدأ الشهر المقبل.
بضرب كل ما سبق فى الخلاط، ودون أن تضطر إلى ضرب ذلك اللاعب السابق بالجزمة، ستكتشف أن الاستثمار فى البقر مكلف جدًا وفى غاية الصعوبة. بينما شراء العبيد أو البشر، كما قال المثل القديم، أوفر وأسهل من تربيتهم، حتى لو استجاب الشارى لنصيحة أبى الطيب المتنبى، واشترى ألف عصا مع كل عبد. والمتنبى هو القائل: العبد ليس لحر صالح بأخ.. لو أنه فى ثياب الحر مولود. لا تشترِ العبد إلا والعصا معه.. إن العبيد لأنجاس مناكيد.