رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاث دول على طاولة قمار!


إيران ظهرت فى الصورة، وأرسلت محمد جواد ظريف، وزير خارجيتها، أمس الأول الإثنين، إلى أنقرة، ثم إلى موسكو، أمس الثلاثاء، بعد أن تسببت ضغوط أو مساومات فرنسية فى إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان، الأحد، إلى تركيا.
على مقدرات سوريا، ليبيا والعراق، ومصائر شعوبها، يتفاوض أو يلعب المقامرون: روسيا، تركيا، فرنسا، و... و... وغيرها. وبعد ساعات من العدوان التركى على شمال العراق، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الإثنين، أن قمة إيرانية روسية تركية ستنعقد قريبًا، عبر «الفيديو كونفرانس»، لافتًا إلى أن موعدها سيتحدد خلال زيارة وزير خارجية بلاده إلى أنقرة، التى زعم أن هدفها هو إجراء مباحثات بشأن سوريا، ثم فوجئنا بوزير الخارجية التركى يقول، فى المؤتمر الصحفى المشترك، إن موعد انعقاد تلك القمة مرتبط بوقف إطلاق النار فى ليبيا. وقطعًا، لم تغب العراق عن المباحثات، المفاوضات، أو المساومات.
الخارجية الروسية لم تعلن عن سبب إلغاء زيارة وزيرى الخارجية والدفاع إلى تركيا، واكتفت بالإشارة إلى أن خبراء البلدين مستمرون فى إجراء اتصالات مكثفة لوقف إطلاق النار فى ليبيا، وحملت البيانات الرسمية إشارات إلى الوضع فى إدلب السورية، التى لا تزال تحت سيطرة تركيا، أو الجماعات الإرهابية الموالية لها. ما دعم فرضية أن الزيارة كانت تستهدف عقد صفقة، أو عمل مقايضة، تتلخص فى قيام تركيا بإخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من إدلب، مقابل أن تسمح لها روسيا بالسيطرة على مدينة سرت الليبية.
المقايضة أو الصفقة الروسية التركية، مهّد لها خلوصى أكار، وزير الدفاع التركى، الأسبوع الماضى، بتصريح غريب اتهم فيه «جماعات متطرفة فى إدلب» بأنها تعمل على إفشال وقف إطلاق النار، وهو التصريح الذى أثار تكهنات قوية بإمكانية أن تتخلى أنقرة عن بعض حلفائها المتطرفين فى إدلب، مقابل تنازلات روسية فى ليبيا، ولعلك تعرف أن روسيا تدعم الجيش الوطنى الليبى فى حربه ضد التنظيمات والميليشيات الإرهابية، التابعة لتركيا، تحت غطاء «حكومة الوفاق» المزعومة. ومع ذلك، لا يزال التعاون بين أنقرة وموسكو، قائمًا، فى سوريا، طبقًا لاتفاقية أو مذكرة سوتشى، التى يتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاكها.
قيل إن الخصمين المتوافقين، أو الشريكين المختلفين، كادا يعقدان الصفقة أو المقايضة، لولا نجاح فرنسا فى إجهاضها بضغوط أو بصفقة بديلة، كما أكدت مصادر عديدة، أن الأخيرة لوّحت بأنها ستتصدى لأى هجوم قد تتعرض له سرت، الواقعة فى منتصف المسافة بين طرابلس وبنغازى، وأقرب المدن إلى موانئ تصدير النفط الليبى، والتى تراها باريس بوابتها إلى إفريقيا.
من زاوية ضيقة، أدانت جامعة الدول العربية العدوان التركى على شمال العراق، وأدانت إجمالًا التدخلات العسكرية التركية فى الأراضى العربية، سواء فى سوريا أو ليبيا أو العراق، ورأت أنها تعكس أطماعًا توسعية لدى تركيا تنتمى إلى ماضٍ بعيد، لم يعد لها مكان فى عالمنا المعاصر. وفات الجامعة، أو تجاهلت عمدًا، أن الولايات المتحدة هى الداعم المباشر للتحركات التركية، بالإضافة إلى كونها المتحكم الفعلى فى العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.
قد تكتمل الصورة، لو توقفت عند طبيعة الدور الذى تلعبه «غرفة العمليات المشتركة»، العراقية الإيرانية التركية، التى تشكلت خلال زيارة رئيس أركان الجيش الإيرانى إلى أنقرة، منتصف أغسطس ٢٠١٧، والتى اتضح لاحقًا، أو بتتابع الأحداث، أنها تهدف إلى تقاسم مناطق النفوذ. وغالبًا، تم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن خلال زيارة هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية، إلى العراق، الخميس الماضى. وعليه، لم يكن غريبًا، أن يتزامن هجوم الطائرات الحربية التركية على شمال العراق، الثلاثاء مع قصف مدفعى مكثف لقوات الحرس الثورى الإيرانى.
العلاقات الوثيقة التى ربطت التنظيمات الإرهابية، فى كل دول المنطقة، بتركيا، إيران، قطر، و... و... وغيرها، ستجد ما يؤكدها، فى اعترافات الإرهابيين أنفسهم، بعد سقوطهم. وستجدها أيضًا فى تصريحات أو اعترافات مسئولين من عينة حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى السابق، الذى أقرّ، أواخر أكتوبر ٢٠١٧، على شاشة تليفزيون قطر الرسمى، بأن دويلته دعمت جماعات إرهابية فى سوريا، عبر تركيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وأطراف أخرى. كما لم يجد حرجًا فى أن يقول: «تهاوشنا على الصيدة، وفلتت الصيدة واحنا قاعدين نتهاوش عليها».
نحن أمام مقامرين لا سياسيين، قراصنة فى صورة رؤساء دول، لا تعنيهم مقدرات الفرائس، أو الـ«صيدات»، بقدر ما يعنيهم اقتناص ما تطاله أيديهم من ثرواتها، مطمئنين إلى أن رادار المجتمع الدولى لن يتلقط جرائمهم، وأن الأمم المتحدة ستتعامى عن انتهاكاتهم لقراراتها وللقانون الدولى. بينما تكتفى جامعة الدول العربية، كما اكتفت، أمس الأول الإثنين، بوصف هذه الانتهاكات، وتلك الجرائم، بأنها أصبحت مصدر قلق ورفض واستهجان!.