رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبيد العثمانيين.. كفار أم مجانين؟


المسلمون العقلاء هم الذين يغسلون أيديهم من كل الجرائم التى ارتكبها العثمانيون، أو غيرهم، تحت راية «الخلافة الإسلامية». أما غير العقلاء أو المجانين، وربما الكفار، فهم هؤلاء الذين دفعتهم عبادتهم لهؤلاء السفاحين إلى التفاخر بتلك الجرائم، التى كان أبسطها جريمة تحويل كنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد. وسبب توقفنا عند تلك الجريمة بالذات، ليس ذلك الجدل الدائر منذ يومين، بشأن محمد الفاتح، أو الغامق، ولكن لأن أردوغان، تعهد بتكرارها، وتاجر بها سياسيًا، محليًا ودوليًا، ثم دفع نواب حزبه فى البرلمان التركى، إلى رفض طلب بهذا الشأن!
العهدة العمرية، واحدة من أهم الوثائق فى التاريخ، وليس فقط تاريخ فلسطين والقدس. وفيها أعطى عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين، «أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها». وتعهد بـ«أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم».
شهد على تلك العهدة أو على ذلك العهد المكتوب خالد بن الوليد، عبدالرحمن بن عوف، عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبى سفيان. والأكثر من ذلك، هو أن البطريرك «صفرونيوس»، حين قام بتسليم عمر مفاتيح بيت المقدس، دعاه إلى تفقد كنيسة القيامة، ولما حان موعد الصلاة، وسأله عمر: أين أصلى؟، أجاب: صلِّ مكانك صلِّ. إلا أن ثانى الخلفاء الراشدين رفض ذلك، خشية أن يأتى المسلمون من بعده ويقولون هنا صلى عمر، ويتخذونها مسجدًا.
خائنٌ، إذن، لعهد عمر، ولسنّته، ذلك الذى صلى الجمعة فى كنيسة «آيا صوفيا»، وقام بتحويلها إلى مسجد: محمد بن مراد، محمد الثانى، أو محمد الفاتح، حتى لو سلّمنا بصحة الحديث، الذى بشّر بـ«فتح القسطنطينية»، افترضنا أن المذكور هو «نعم الأمير أميرها»، الذى يقصده ذلك الحديث الضعيف، وليس ذلك القائد «العربى»، الذى قالت تفسيرات عديدة إنه سيأتى فى آخر الزمان، قبل خروج الدجال بزمن يسير، وإن جنوده «لن يقاتلوا بسلاح ولن يرموا بسهم».
كنيسة آيا صوفيا، التى تعد تحفة معمارية، يعود بناؤها إلى القرن السادس الميلادى، وتحولت إلى مسجد فى القرن الخامس عشر، تحديدًا سنة ١٤٥٣، بعد سقوط القسطنطينية، وظلت مسجدًا لمدة ٤٨٠ سنة، قبل تحويلها إلى متحف سنة ١٩٣٤ خلال فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك. وكان «تحريرها من مآذنها»، تحرير «آيا صوفيا»، أحد دوافع أو مبررات الإرهابى الأسترالى برنتون تارانت، الذى اعتدى منتصف مارس ٢٠١٩، على مسجدين فى نيوزيلندا.
وقتها، كانت تركيا تستعد للانتخابات المحلية، التى جرت نهاية ذلك الشهر، وبدلًا من أن يعتذر أردوغان عما فعله السلف العثمانى، غير الصالح، وبدلًا من أن يشير إلى قرار أتاتورك ويشيد به، حاول استغلال ذلك الحادث الإرهابى، فى الدعاية الانتخابية لحزبه، الذى كان يواجه منافسة شرسة، خاصة فى المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، وتعهد بتحويل المتحف إلى مسجد، بعد الانتخابات. وهو ما تعهد به، أيضًا، بعد الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفى ٢٩ مايو الماضى، حلت الذكرى ٥٦٧ لاحتلال إسطنبول، وظهر أردوغان فى متحف «آيا صوفيا» وقرأ سورة الفتح، ثم أعلن عن اتخاذ خطوات من أجل إعادة فتحه للعبادة مرة أخرى.
النكتة، هى أن الرئيس التركى، بعد كل تلك الوعود أو التعهدات، دفع نواب حزبه فى البرلمان، حزب العدالة والتنمية، إلى رفض طلب تقدم به «حزب الخير»، لتحويل المتحف إلى مسجد وفتحه للصلاة، فى حين تحفظ نواب حزبى الشعب الجمهورى والشعوب الديمقراطى. ما دفع داود أوغلو، رئيس الوزراء التركى السابق، إلى إبداء دهشته من تناقض هذا الرفض، مع ما تعهد به الرئيس التركى منذ أيام. وفى مقطع فيديو، نشره فى حسابه على تويتر، أشار داود أوغلو إلى أن أردوغان نفسه، سبق أن وبّخ أحد من طلبوا منه إعادة فتح آيا صوفيا للصلاة، وحذره من الخوض فى هذه الألاعيب أو المكائد. ثم طالب «السيد الرئيس» بأن يوضح للمواطنين سبب وصفه فتح آيا صوفيا للعبادة بأنه مكيدة، وبأن يشرح لهم كيف أفسد تلك المكيدة.
الإسلام لا يُقِر الأفعال الخاطئة مهما كان فاعلها. وعليه، ضربنا كفًا بكف، حين كتب أحد عبيد العثمانيين فى حسابه على تويتر: «إياك أن يحملك الخلاف مع أردوغان على محو وهدم فضائل الخلافة العثمانية التى كان فيها السلطان محمد الفاتح الذى فتح القسطنطينية «إسطنبول» وحوّل كنيسة آيا صوفيا لمسجد». إذ فات هذا الغلام، الضال ابن الضال، أن منطقه المتهافت، الساذج أو العبيط، يحملنا أو يجبرنا، على توجيه الشكر للإسرائيليين، من ديفيد بن جوريون، وأنت نازل، لأنهم لم يفعلوا بالمسجد الأقصى، ما فعله ذلك «الفاتح المزعوم» بكنيسة آيا صوفيا!