رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل فقد «أوباما» الذاكرة؟


الظهور اللافت للرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، كان أكثر ما استوقفنا فى التوترات التى تشهدها الولايات المتحدة، الآن، احتجاجًا على مقتل مواطن أسود، ظلّ شرطى أبيض يضع ركبته على عنقه، لأكثر من تسع دقائق، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
صيدًا فى الماء العكر، أو أملًا فى غسل سمعته وسمعة حزبه، الحزب الديمقراطى الأمريكى، زعم أوباما أن رؤية الأمريكيين ينتفضون ويطالبون بالمساواة جعلته يتفاءل. وفى المقال، أو البيان، الذى نشره موقع «ميديم»، أكد أن الاحتجاجات وحدها لا تكفى. وطالب المتظاهرين بأن يترجموا غضبهم إلى قوانين وممارسات محددة، عبر انتخاب مسئولين يستجيبون إلى مطالبهم.
الرئيس الأمريكى السابق، كان أول رئيس من ذوى البشرة السمراء فى تاريخ الولايات المتحدة. ومع ذلك، استمرت معاناة تلك الفئة طوال فترتى حكمه، وظلت التفرقة العنصرية مسيطرة على المجتمع الأمريكى. وكانت كل محاولات إنكارها تتبدد بمجرد الإعلان عن مقتل مواطن أسود على يد رجل شرطة أبيض، وما يتبع ذلك من احتجاجات واسعة واشتباكات وصدامات عنيفة.
دخل أوباما البيت الأبيض فى يناير ٢٠٠٩ وخرج منه فى يناير ٢٠١٧، وفى منتصف تلك الفترة، أو فترتى الحكم، أى سنة ٢٠١٣، ظهرت حركة «حياة السود مهمّة»، واكتسبت شهرة أكبر على المستوى الدولى، فى أغسطس ٢٠١٤، بعد مقتل مايكل براون «١٨ سنة» برصاص ضابط الشرطة الأبيض دارين ويلسون، فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى. ووقتها، تفجّرت احتجاجات عنيفة، تجدّدت حين أفلت ضابط الشرطة من العقاب.
فى عهد أوباما، أيضًا، أشار تقرير لمؤسسة «القرن الجديد» إلى زيادة التمييز العنصرى، وأوضح أن ١ من كل ٤ أمريكيين سود، يعيشون فى فقر شديد، مقارنة بواحد إلى ١٣ من الأمريكيين البيض. وهناك تقارير عديدة انتقدت الأوضاع السيئة التى تغذى التوترات العرقية والتمييز العنصرى، وعدم المساواة الاجتماعية وسوء الأحوال المعيشية لتلك الفئة.
لو لديك بعض الوقت ندعوك إلى مشاهدة فيلم وثائقى أنتجته شبكة HBO عن ساندرا بلاند «٢٨ سنة»، التى أوقفها شرطى فى ولاية تكساس، منتصف يوليو ٢٠١٥، بسبب مخالفة مرورية بسيطة. ولمجرد أنها أشعلت سيجارة أثناء اقتراب الشرطى ورفضت إطفاءها، تم إلقاء القبض عليها، وبعد ثلاثة أيام وجدوها ميتة فى مقر احتجازها وزعموا أنها انتحرت!.
قبلها بثلاثة شهور، تحديدًا منتصف أبريل ٢٠١٥، اشتعلت مدينة بالتيمور فى مريلاند، إثر وفاة فريدى جراى «٢٥ سنة» متأثرًا بإصابة خطيرة فى العمود الفقرى، بعد أسبوع من اعتقاله، لأنه كان يحمل سكينًا فى جيبه. وأظهر مقطع فيديو صراخ جراى، خلال حمله إلى سيارة الشرطة. وكالعادة، تم استبعاد ثلاثة من الضباط الستة الذين اعتقلوا «أو قتلوا» فريدى جراى من القضية، وانتهت محاكمة الثلاثة الآخرين إلى أنهم غير مذنبين. ووقتها، نشرت مجلة «تايم» صورة للاشتباكات عليها ١٩٦٨، وهى السنة التى اغتيل فيها مارتن لوثر كينج، وقام خلالها الرئيس ليندون جونسون، بتوقيع قانون يضمن العدل والمساواة بين الأعراق والألوان والجنسين.
حالات وسوابق، بالمئات أو الآلاف، شهدتها الولايات المتحدة منذ صدور ذلك القانون، أى طوال أكثر من نصف قرن، تقول إنه كان حبرًا على ورق. وتقول، أيضًا، إن الجمهوريين أو الديمقراطيين، قد يختلفون فى المواقف، لكنهم يلتقون فى المرجعيات ويتفقون فى الأهداف. ما قد يجعلك تعتقد وأنت تقرأ مقال أوباما أنه فقد الذاكرة أو يراهن على فقدان الأمريكيين لذاكرتهم!.
فوق ذلك كله، لم يحدث أن انتصر النظام القضائى الأمريكى، طوال تاريخه، وطوال فترتى حكم أوباما، لمواطن أسود لقى مصرعه على يد شرطى أبيض. ولم يحدث أن التفت إلى واحدة من شكاوى آلاف تعاملهم الشرطة الأمريكية بوحشية وتقتل منهم شخصًا كل ١٠ أيام فى المتوسط. ولم يحدث، أيضًا، أن نشر جو بايدن، صورة لنفسه وهو يركع أمام رجل أسود وابنه.
نائب الرئيس السابق، مرشح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة المقبلة، فعلها، الآن، وكتب تحت تلك الصورة: «نحن أمة تتألم، لكن لا يجب أن ندع هذا الألم يحطمنا. نحن أمة غاضبة، لكن لا يجب أن ندع الغضب يمزقنا». وبشكل أكثر وضوحًا من أوباما، دعا بايدن المتظاهرين إلى التغيير عبر التصويت لصالحه، متعهدًا بأنه سوف يستمع إليهم، وسيعمل «كرئيس» على إنهاء مثل هذه الأزمات!.
بدخول أوباما، غير المفاجئ، وبحركة بايدن الاستعراضية، وبالصيغة التى تعاملت بها وسائل إعلام بعينها، تحول مقتل جورج فلويد إلى قضية انتخابية، وبات الهدف الواضح هو استغلال النيران المستعرة فى الشوارع، لزيادة سخونة المشهد الانتخابى. وعليه لم يكن غريبًا أن يكتفى الرئيس ترامب، فى تغريدة، بكتابة تاريخ «الثالث من نوفمبر»: موعد انتخابات الرئاسة، التى نراها محسومة لصالحه، إلا لو فقد الأمريكيون ذاكرتهم، كما فقدها رئيسهم السابق!.