رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«جواى».. كلمة السر فى الوصفة الصينية لمواجهة «كورونا»


مع تزايد أعداد الإصابات بفيروس «كورونا» فى مصر، والحديث عن أننا لم نصل لذروة الإصابات، وأن القادم أشد خطرًا، نتطلع إلى التجارب السابقة التى مرت بما نحن فيه الآن، واجتازت المحنة واستطاعت السيطرة على المرض، هناك تجارب عديدة لدول، مثل: النرويج، أيسلندا، ألمانيا.
ولكن تبقى التجربة الصينية هى الأكثر حضورًا، والتى تعطى الأمل بأنه من الممكن الحد من انتشار الوباء، ومع أنه لا يمكن إغفال العامل الاقتصادى فى قدرة الحكومة الصينية على بناء مستشفيات جديدة وتوفير الاختبارات اللازمة لسرعة الكشف عن المرض، وتوفير الرعاية الطبية وتجنيد كل قطاعات الشعب لمواجهة الفيروس، إلا أنه لا يمكن إنكار الدور الخاص بالثقافة الصينية فى السيطرة على انتشار الفيروس بالمقارنة مع دول كبرى تمتلك مقومات صحية واقتصادية تضاهى الصين، إن لم تتفوق عليها، كأمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، فلماذا وكيف نجحت الصين فى السيطرة على فيروس كورونا؟.. هذا السؤال طرحه موقع «TED Talks» الأمريكى على الناشرة الصينية «هوانج هونج»، لبحث اختلاف استجابة الشعبين الصينى والأمريكى لفيروس كورونا، وإجراءات الإغلاق والحظر.
أوضحت «هونج» أن الصين تتمتع بتجربة إنسانية وثقافية وتاريخية قد تكون مختلفة عن كثير من دول العالم. لذا، بالنسبة للصين، عندما تم الإغلاق، كان الجميع بخير، كل شىء على ما يرام مع الإغلاق، لأنهم يفكرون فى أن هذا ما يجب أن يفعله الآباء الجيدون. كما تعلمين، عندما يمرض طفل، تعزلينه فى الغرفة الأخرى، وتغلقين عليه وتتأكدين من ألا يُصاب الأطفال الآخرون. وهم يتوقعون ذلك من الحكومة.
وأضافت هونج: «هناك كلمة صينية لا يوجد مثيل لها فى أى لغة أخرى، والكلمة هى (جواى).. وهى كلمة تصف بها الطفل الطفلة عندما يطيع أو تطيع الوالدين. لذا أعتقد، كشعب، نحن (جواى) للغاية. لدينا هذا النوع من الشكل السلطوى الذى يتطلع له الصينيون دومًا، وهم يتوقعون أن تتخذ الحكومة الإجراءات فعلًا، وهم يتعاملون مع ذلك. على الرغم من وجود معاناة كبيرة، هم يشعرون بارتياح، إذا قال الأخ الأكبر إن هذا ما يجب القيام به، لذا يجب القيام به».
وضربت مثالًا للإجراءات الاحترازية فى الصين «الصينيون فخورون جدًا بنظام الدفع لدينا، حيث يمكنك الذهاب إلى أى مكان بالآيفون فقط ودفع ثمن كل شىء، وكل ما يفعلونه هو مسح للوجه. أعتقد أن هذا ربما يُقلق الأمريكيين. ما زالت الصين حالًا تحت الإغلاق الجزئى، لذا، إذا ذهبت لأى مكان، هناك تطبيق يقوم بالمسح وتدخل رقم هاتفك، وسيقوم التطبيق بإبلاغ الحرس فى مدخل مركز التسوق، مثلًا، أين كنت فى الـ١٤ يومًا الماضية. نحن لا نرى فى هذا النظام انتهاكًا للخصوصية، وأنا أفضل وأشعر بالأمان لدخول مركز التسوق لأنه تم عمل مسح لكل شخص، بينما أعتقد أن حرية الفرد كمفهوم تجريدى فى جائحة كهذه لا معنى له».
ما يمكن استنتاجه من حديث هوانج هونج أن نجاح الصين يعود إلى عاملين، الأول: الشعور العام لدى الصينيين بالمسئولية الاجتماعية، وتقديم المصلحة والسلامة الجمعية على مصلحة الفرد، والثانى: الثقة فى الحكومة أو النظام الحاكم رغم الانتقادات التى قد توجه لأدائه، لكن هناك مكون فى الثقافة الصينية يجعل الحكومة جزءًا من العائلة، وهناك يقين بأنها لن تفعل ما يضر الشعب، لذا فهى عندما تصدر قوانين خاصة بالحظر أو الإغلاق تجد استجابة طوعية، لأن الثقافة الصينية لا ترى تعارضًا بين مصالح المواطنين وقرارات الحكومة.
نجاح التجربة الصينية يدعو للتفكير والتأمل فى واقعنا الذى تتجلى فيه أزمة الثقة بين الشعب والحكومة.
وهذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هى نتاج تراكم خبرات تاريخية راسخة فى الوجدان المصرى، وقد فشلت الأنظمة المصرية المتوالية فى سد هذه الهوة، التى تمثل شرخًا فى أساس العلاقة بين الشعب والحكومة، ما يستوجب ضرورة بذل النظام السياسى جهودًا كبيرة لاحتواء هذا الشرخ، وحكمة عميقة فى التعامل مع جموح البعض.. فإثبات حسن النوايا وبذل الجهد لإرضاء وتحقيق احتياجات الشعب هما مهمة الحكومة، وعلى الشعب أن يدرك خطورة اللعب وعدم تحمل المسئولية.