رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صالح كامل


جدته كانت تدلل والده بـ«دلة». فهل خطر ببالها، أو بال والده، أن هذا الاسم الغريب، سيكون، بعد سنوات، عنوانًا لمجموعة شركات عملاقة، تضم أنشطة صناعية وتجارية متعددة، وتغير شكل الإعلام العربى؟!.
كان «دلة» هو الاسم الذى تدلل به الجدة ابنها عبدالله كامل. وباسم الدلة أو دلة البركة، ظهرت مجموعة شركات رجل الأعمال صالح كامل، الذى ارتبط اسمه فى أذهان المصريين والعرب، بثلاثة حروف: ART، هى اختصار راديو وتليفزيون العرب. مجموعة القنوات التى غيّرت شكل ومحتوى القنوات التليفزيونية العربية، وجعلت مؤسسها واحدًا من آباء الإعلام العربى.
اسمه بالكامل صالح عبدالله كامل، سعودى الجنسية، عربى الهوى، مصرى باختياره، وبإقرار مصريين كثيرين رأوه واحدًا منهم. وهو فعلًا واحدٌ منهم. لم يترك مناسبة إلا وترجمها لصالح مصر والمصريين. ويكفى أن تعرف، مثلًا أنه بعد حادث الأقصر، سنة ١٩٩٧ دعا كل برامج قنواته لتصوير حلقاتها من هناك. وحين حدثت عملية إرهابية فى سيناء، سنة ٢٠٠٥، قرر أن تكون قرعة دورى أبطال العرب فى شرم الشيخ المصرية. وفى سياقات عديدة أكد فيها أن لمصر دورًا كبيرًا فى تكوين شخصيته، وكان دائم التفاخر بأنه تعلم على أيدى مدرسين مصريين.
المولود سنة ١٩٤١، فى مكة المكرمة، فى عائلة تعمل بـ«الطوافة»، كان والده يعمل مديرًا عامًا لديوان مجلس الوزراء السعودى، وتلقى تعليمه الابتدائى والمتوسط فى مكة المكرمة والطائف، أما المرحلة الثانوية فتلقاها فى جدة. وتخرج سنة ١٩٦٣ فى كلية التجارة بجامعة الرياض.
قبل تخرجه كان قد نجح فى إنشاء مؤسسة صغيرة اختار لها اسم «دار ومكتب الكشاف السعودى» مكملًا بها مسيرة عائلته المهنية فى «الطوافة»، قبل أن يلتحق فور تخرجه بوزارة العمل والشئون الاجتماعية موظفًا بإدارة رعاية الشباب. ومنها إلى وزارة المالية، التى قضى بها عشر سنوات قبل أن يقرر أن يترك العمل الحكومى موجهًا طموحه إلى القطاع الخاص.. الذى قاده فى النهاية إلى امتلاك وإدارة ما يزيد على ١٢ مليار ريال سعودى، موزعة على ٣٠٠ شركة وبنك ومؤسسة فى المملكة العربية السعودية وفى حوالى ٤٥ دولة.
منذ صغره، عشق صالح كامل العمل التجارى، صنع الألعاب الصغيرة البسيطة وباعها لأصحابه. ومنذ صغره أيضًا أحب العمل الإعلامى، فحرر عددًا من المجلات وباعها أيضًا لأصحابه ومعارفه. وفى مرحلة أخرى قام باستيراد بعض المنتجات. أما فى المرحلة الجامعية فأنشأ مطبعة صغيرة لنسخ مذكرات الطلبة واستمر عمل تلك المطبعة حتى بعد تخرجه.
صباحًا، كان يذهب إلى عمله الحكومى، وفى المساء يباشر أمور مطبعته، إضافة لعدد من المشروعات الأخرى التى كانت تكبر وتتنوع بمرور الوقت. وخلال عمله بوزارة البرق والبريد والهاتف السعودية، طرحت الوزارة مناقصة لنقل وتوزيع البريد الداخلى. ووقتها، جمع كل مدخراته من مشروعاته السابقة واشترى عددًا كبيرا من السيارات. ومن هنا، ظهر مشروع البريد الطواف، برأسمال لا يزيد على ٣٠٠ ألف ريال. وبسيارة «جيب»، طاف صالح كامل بنفسه على جميع مدن وقرى السعودية، وقاس المسافة بين كل منطقة وأخرى، فأصبح قادرًا على تحديد كمية الوقود التى تحتاجها كل سيارة لتصل إلى هدفها. ونجح المشروع، وواصل نجاحه لـ١٥ سنة تقريبًا.
مع بداية سنة ١٩٨٢، أسس «مجموعة دلة البركة»، التى تنوعت مجالات أنشطتها بعد ذلك، وتعددت مجالات استثماراتها بين السياحة والأعمال البنكية والعقارية وغيرها. وما يعنينا بين كل تلك الأنشطة هو نشاطه الإعلامى، إذ أسس دار «عكاظ» للنشر، التى تصدر عنها الجريدة الأكبر والأوسع انتشارًا فى المملكة. ولاحقًا، أسهم فى تأسيس جريدة «الوطن» السعودية.
بين عكاظ والوطن، كان الشيخ صالح من أوائل المستثمرين السعوديين فى المجال الإعلامى. كان أول من أنشأ مؤسسة للإنتاج الإعلامى، اختار لها اسم «الشركة العربية للإنتاج الإعلامى». وبمشاركة رجل الأعمال السعودى وليد الإبراهيم، أسس قناة MBC التى بدأت من لندن، وحين باع حصته فيها أسس راديو وتليفزيون العرب ART التى اختار العاصمة الإيطالية روما مقرًا لانطلاقها، وبدأت سنة ١٩٩٣ إرسالها بخمس قنوات موجهة إلى أوروبا والشرق الأوسط، ثم تعددت مراكز بثها وإنتاجها فى العواصم العربية، وكانت القاهرة فى قلب تلك المراكز. ومنها ظهرت كوادر إعلامية مصرية وعربية غيرت شكل الشاشة من المحيط إلى الخليج.
الرجل الذى غادرنا، مساء أمس الأول الإثنين، عن ٧٩ عامًا، كان اسمه يظهر، سنويًا، فى قائمة «فوربس» لأغنى أغنياء العالم، مع أنه اعتاد التأكيد على أنه لم يُطلع أحدًا على حجم ثروته، ولا يدرى من أين يأتون بالأرقام، التى اعتاد، رحمه الله، أن يصفها بأنها غير صحيحة. لكن ما يمكننا القطع بصحته هو أنه ترك أثرًا كبيرًا فى المنطقة وفى العديد من دول العالم.