رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروة الغنوشى.. الملياردير العاطل!


أكثر من خمسة آلاف تونسى وقعوا، إلى الآن، على عريضة تطالب بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق والتدقيق والكشف عن مصادر ثروة راشد الغنوشى، رمز وقائد وزعيم حركة «النهضة» الإخوانية، رئيس البرلمان التونسى، التى اقتربت من ٨ مليارات دولار، طبقًا لبعض التقديرات!
نحن أمام نموذج متكرر للملياردير العاطل. والموضوع، باختصار، هو أن مواطنات ومواطنين تونسيين رأوا أن المذكور «عاد إلى تونس فى عام ٢٠١١، ولم يُعرف له نشاط قبل هذا التاريخ أو بعده إلا فى المجال السياسى، ورغم عدم ممارسته لأى عمل اقتصادى أو تجارى، فإنه قد أصبح فى ظرف التسع سنوات الأخيرة من أثرى أثرياء تونس». وأوضحت العريضة أن مصادر إعلامية قدرت ثروة الغنوشى بمليار دولار، «فى حين تتحدث مصادر إعلامية أخرى عن مبلغ يساوى ٨ أضعاف هذا الرقم، أى ما يعادل خمس ميزانية الدولة التونسية».
تأسيسًا على ذلك، و«باعتبار أن السيد راشد الغنوشى هو زعيم واحد من أكبر الأحزاب تمثيلية فى البرلمان، وأنه رئيس مجلس النواب، وباعتبار تفشى الفساد فى الدولة والمجتمع، وباعتبار كثرة التمويلات الأجنبية المشبوهة التى تفد على البلاد التونسية بعنوان (العمل الخيرى)، وباعتبار تقاطع هذه التمويلات غالبًا مع التنظيمات الإرهابية والأجندات السياسية المشبوهة»، رأى الموقعون على العريضة أنه «بات من الضرورى أن يتم التحقيق بكل جدية وشفافية فى ثروة السيد راشد الغنوشى، وفى مصادرها».
إلى جانب رئاسته لحركة النهضة، الفرع التونسى لجماعة الإخوان، يرأس الغنوشى مجلس النواب، كما لعلك تعرف، وكما ذكرت العريضة. ومنذ يومين، طالبت كتلة الحزب الدستورى الحر، للمرة الثانية، بسحب الثقة منه. وقالت رئيسة الحزب، فى فيديو نشرته صفحتها الرسمية، إن بقاءه على رأس البرلمان «خطر على الأمن القومى»، ووصفت زياراته المتكررة إلى تركيا، بأنها خرق لقانون مجلس النواب «يستوجب مساءلته والمطالبة بسحب الثقة منه».
فى مقابل «تطبيل» وتصفيق المغيبين، وهبدات أمثال الحاج محمد العبيط، المختبئ فى النمسا، هناك شواهد كثيرة على الأرض تؤكد أن تونس تحولت إلى دولة مافيا، وأن شرائح واسعة من التونسيين اضطروا لاحتراف «الفساد الصغير» من أجل تسيير شئونهم، أو حتى يتعايشوا مع الفساد الكبير. والأهم، والأكثر خطورة، هو أن سيطرة المال الفاسد على غالبية الأحزاب أتاح لعملاء، تحركهم أجهزة مخابرات دول، أن يكونوا فاعلين سياسيين، وجزءًا من تركيبة الحكم.

سيطرة المال الفاسد على الأحزاب ووسائل الإعلام، جعل كثيرين ممّن يتصدرون المشهد السياسى هناك، بلا أفكار أو برامج، وغير معنيين بالفقر، البطالة، التعليم، الصحة، و... و...إلخ. وبقليل من المتابعة، ستكتشف أن دور هؤلاء يتلخص فى طرح موضوعات، قضايا، ومضامين لا تعنى غير الممولين الأجانب، الذين سيطروا على الساحة السياسية التونسية عبر أكثر من ٢٥٠ حزبًا، لم تلتزم بالمرسوم التشريعى رقم ٨٧، الصادر فى ٢٤ سبتمبر سنة ٢٠١١، الذى يحظر «أى شكل من أشكال التمويل الأجنبى»، وينظم آليات تقديم التبرعات والهبات، ويلزم كل حزب بأن «ينشر تقاريره المالية»، ويقدمها بعد ذلك إلى ديوان المحاسبة.

الموقِّعون على العريضة طالبوا بتشكيل لجنة مستقلة تضم ممثلين لـ: الاتحاد العام التونسى للشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ودائرة المحاسبات، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، واللجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزى، و... و... وأوضحوا أن «مهمة اللجنة هى التدقيق فى الثروات المالية لمحترفى السياسة فى تونس، وبما أن الغنوشى هو ثانى وجه سياسى، باعتباره رئيس السلطة التشريعية، ولأنه أحد أثرى أثرياء تونس، فإنه من الواجب أن يكون أول من يجب عليه أن يجيب عن سؤال: من أين لك هذا؟».
السؤال نفسه، سؤال: «من أين لك هذا؟»، طالبت العريضة بتوجيهه إلى شخصيات سياسية، حالية وسابقة، بعضها من حركة النهضة، مثل نجل الغنوشى وبناته وأصهاره، ونورالدين البحيرى، ومحمد بن سالم. وبعضها من خارج الحركة من أمثال حمادى الجبالى، وسفيان طوبال، وورثة الباجى قائد السبسى، وسليم بن حميدان والإخوة الدايمى. وعلى ذكر الإخوة عماد، ومنير، وعبدالمنعم الدايمى، نشير إلى أن تقريرًا أعدته لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزى التونسى، كشف عن تلقيهم تحويلات مالية ضخمة، من بريطانيا، وتركيا، وقطر.
عدد الموقعين على العريضة تجاوز الخمسة آلاف، كما أشرنا، وننتظر أن يصل إلى خمسين أو مائة ألف، لكن ما لا ننتظره، ولن ننتظره، هو أن يلتفت إليهم الرئيس التونسى، ولو بخطبة ركيكة، لعشرات الأسباب، أبسطها أن «حركة النهضة» تمددت وتوغلت ووضعت أيديها على مفاصل الدولة، بمساعدة وتواطؤ غالبية الحركات، والتيارات والأحزاب. ولن تكون مبالغًا لو قلت إن «إخوان تونس» أفسدوا غالبية مؤسسات الدولة ونجحوا فى تسميم المناخ السياسى، وتمكنوا من تحصين قادتهم وجعلوهم فوق المساءلة والمحاسبة.