رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كورونا قد يصبح وديعًا!


هذه البشرى السارة، بشرى تحول «كورونا المستجد» إلى فيروس وديع، نقلتها وكالات الأنباء عن باحثين أمريكيين قالوا إنهم رصدوا طفرة فى الشفرة الوراثية للفيروس، تشبه تلك التى غيّرت سلوك فيروس «سارس»، وجعلته أقل خطورة وأضعفت قدرته على الانتشار بين البشر. 

الطفرات عبارة عن تغيرات فى التركيب الجينى تنتقل للأجيال التالية. وهى شائعة لدى الفيروسات التى تطور نفسها بناء على مقاومة العائل لها. وبتحليل مسحات مأخوذة من بعض المصابين بفيروس «كورونا المستجد»، تمكن فريق من الباحثين فى جامعة أريزونا الأمريكية من تحديد نحو٣٠ ألف حرف من الشفرة الوراثية للفيروس، وبمطابقة هذه النتائج مع تسلسل جينى مكتشف سابقًا للفيروس ذاته، اكتشف الباحثون اختفاء ٨١ حرفًا جينيًا.
الفريق كان يجرى دراسة حول فيروس «الإنفلونزا»، لكنه غير مساره نحو «كورونا» بعد أن تفشى المرض فى الولايات المتحدة وأصاب مئات الآلاف. وأكدوا أن النتائج التى توصلوا إليها تساعد على فهم فيروس «كورونا المستجد» بشكل أفضل، وتسهم فى تطوير أدوية أو لقاحات مضادة له. ولـ«جورنال أوف فايرولوجى» قال إفريم ليم، رئيس الفريق، إن هذه الطفرات ذات أهمية كبيرة، لأنها حدثت لفيروس «سارس»، الذى تفشى سنة ٢٠٠٣، وقللت من قدرته على الانتشار.

وباء متلازمة الالتهاب التنفسى الحاد، «سارس»، كان ينتقل بين البشر، مثل «كورونا المستجد»، مسببًا الأعراض نفسها، إلا أن انتقاله كان مرتبطًا بظهور الأعراض على المريض. وفى مقال نشره موقع «إل سى إى»، أوائل مارس الماضى، شرح إتيان ديكرولى، الباحث بالمركز الفرنسى للبحث العلمى أنه كان موسميًا، مثل الفيروسات التنفسية الأخرى. وسأل: هل سيحذو «كورونا المستجد» حذو الأوبئة التنفسية ويختفى، هو الآخر، بصورة تدريجية؟ وأجاب: «مع أنه من المبكر التنبؤ بنهاية هذه الأزمة، فإن قياسها على مثيلات سابقة مثل أزمات (إيبولا) و(سارس) و(إنفلونزا الخنازير) يمكن أن يعطى صورة تقريبية عن نهاية هذا النوع من الأوبئة».
النتيجة نفسها، ولو عن طريق مختلف، رجّحها العالم الفرنسى ديدييه راؤول، مدير المعهد المتوسطى لمكافحة الأمراض المعدية، فى مقطع فيديو نشره، منتصف الشهر الماضى، فى حسابه على تويتر، وأكد أن الوباء سيختفى خلال الأسابيع المقبلة. ولجريدة «لوباريزيان» قال: لا يمكن أن نفهم: لماذا وكيف يختفى الفيروس بمرور الوقت. نحن نتحدث عن ظواهر شديدة التعقيد لأنها أمراض متعلقة بالنظام البيئى، إنه أمر غريب ولكنه كذلك. نحن لا نعرف لماذا، لكن كثيرًا من الأمراض المعدية اختفت فى الربيع فى بلادنا المعتدلة».
اسم راؤول برز إعلاميًا، مع الجدل الذى أثير بشأن فاعلية «الكلوروكين» فى علاج المصابين. والطريف هو أن ما قاله، وما توصل إليه باحثو جامعة أريزونا، وما كتبه «ديكرولى»، هو نفسه تقريبًا ما ردّده الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، كثيرًا، فى تصريحاته المتفائلة، التى كررها يوم الجمعة، وأكد فيها أن فيروس «كورونا المسجد» «سينتهى» حتى لو لم يظهر لقاح مضاد له: «لقد واجهنا من قبل فيروسات و(إنفلونزا) لم نجد لها لقاحًا حتى الآن إلا أنها اختفت». وقبل هؤلاء جميعًا، أكدت لاورا سبينى، فى كتابها «الحمى القاتلة: كيف غيرت الإنفلونزا الإسبانية العالم؟»، أن الأوبئة بشكل عام تنتهى تدريجيًا، وإن لم يتم اتخاذ تدابير الصحة العامة.
العالم شهد، بالفعل، فيروسات وبائية عديدة ظهرت واختفت، كان أكثرها شراسة فى التاريخ المعاصر، فيروس «الإنفلونزا الإسبانية». وطبقًا لتقدير توم ستانديج فى كتابه «معرفة غير شائعة»، فإن ١٥ وباءً حصدت أراوح ملايين البشر خلال السنوات الـ٥٠٠ الأخيرة، لم تقترب واحدة منها من درجة خطورة «الإنفلونزا الإسبانية». وقد لا يكون هذا الكلام صحيحًا، لأن حصر أعداد ضحايا ومصابى الأوبئة، لم يبدأ إلا منذ أواخر القرن التاسع عشر.

انتشرت «الإنفلونزا الإسبانية» على ثلاث موجات قبل اختفائها: الموجة الأولى ظهرت فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية فى سبتمبر ١٩١٨، وتسببت فى عدد قليل من الضحايا وبدت إلى حد كبير مثل «الإنفلونزا الموسمية». واندلعت الموجة الثانية فى أواخر أغسطس، من السنة نفسها، وكانت أكثر ضراوة وحدثت خلالها غالبية الوفيات البالغ عددها ٥٠ مليونًا فى الأسابيع الثلاثة عشر بين منتصف سبتمبر ومنتصف ديسمبر١٩١٨. أما الموجة الثالثة والأخيرة فقد وقعت فى الأشهر الأولى من ١٩١٩ واستمرت حتى الربيع، وكانت أقل شدة من الموجة الثانية، وبانتهاء الربيع انحسر الوباء واختفى الفيروس بعد أن حصد أرواح ٢.٥٪ أو ٥٪ من سكان الأرض!

بعد أسابيع، أو شهور أو سنوات، سيختفى الفيروس القاتل، إما بظهور اللقاح المضاد، أو بحدوث طفرة جينية تحوله إلى فيروس وديع، لطيف، وظريف. وفى الحالتين، فإن الحياة لن تعود إلى طبيعتها، إلا لو استطعنا الصمود فى المواجهة المحتملة المقبلة مع الوباء الجديد!