رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تضخم "الدين" الخارجى


استغلال الأعراف السائدة والمتجذرة في السلوك الجمعي في المجتمعات البسيطة، تستقر غالبًا في حياتنا لأنها في الحقيقة تحقق مصالحنا المشتركة، عن طريق تراث عظيم وخبرات طويلة من التجربة والخطأ، وهنا يتسلل أحيانًا إلى منظومة الأعراف السائدة ما هو فاسد وغير منطقي بمرجعية دينية، في محاولة لتحديد الحرية المقدسة الممنوحة للإنسان بحقيقته البشرية.

ولذلك تحاول منظومة القوانين الوضعية ونسق الدولة المدنية أن يحافظا على الأعراف الصالحة الآمنة على الجميع، في محاولة لإبطال الفاسد منها والعمل على تنمية الذوق الأخلاقي العام لدى الفرد والمجموعة، وتصويب الجانب المعياري في السلوك الجمعي الموروث، في مقابل تفشي ظاهرة التدين الخارجي تحديدًا، الذي يكون نتيجة الخوف من نظرة ومحاسبة المجتمع المتأثر برأى "الجماعة المتدينة".

حتى نجحوا في إشاعة دلالة وثقافة عامة هي أن المظهر الديني هو صورة الإيمان وحب الطقوس والتمسك بالعقيدة، وهنا يرسخ المجتمع مكانة المتدين من شخص عادي إلى عالِم يرى في نفسه العاقل المتنور الذي ينير درب العامة الضالة، حتى يقوم بالمزايدة على إيمان الناس، معاديًا كل من يخالفه الرأى من المجتمع وخاصةً البسيط الجاهل.

ومن جانب آخر كيف لنا أن نثق بمظهر ديني يستخدم موازنات أو مواءمات ومداهنات ومراوغات ومناورات في سلوكه العام لتوافق سياسته، بعيدًا كل البعد عن ترسيخ معالم رسالة المعتقد الديني والإطار العام لمبادئه، الذي يكون خاضعًا للرقابة والمحاسبة والنقد والتصحيح والتقويم، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

محاولة الحفاظ على نقاء التصور الذهني للتدين الحقيقي وهم لأنه يخلق صراعًا فكريًّا ليست له نهاية، وليس بعيدًا عن الأيديولوجية السياسية للفرد، لأنه ثمة علاقة قوية بين قضية التدين ومبادئه السياسية، ولأن قضية الدين قضية عامة تخص جميع البشر، بجانب التحدي الحضاري الذي تواجهه المجتمعات.

اختلفت الجهات المستغلة للتدين واختلفت أهدافها، فقد تجد مستغلي الدين أفرادًا أو جماعات أو مؤسسات، وتختلف أهداف كل جهة من هذه الجهات، فقد تكون الأهداف غالبًا اقتصادية، وربما تكون اجتماعية أو سياسية ، فتجد أشخاصًا يستغلون الدين في التجارة مثلاً، فيبيعون سلعهم باسم الدين ويستغلون العامة من الناس لقضاء حوائجهم كالزواج والاستثمار والادخار، فيجعلون الدين مخدرًا يخدرون به هذه الشعوب المقهورة فترضخ للواقع بكل قناعة، بحجة أن الدين يأمرها بالطاعة والخضوع، وهكذا يصبح الدين عندها أداة قوية للسيطرة.

ولا يخفى على أحد ما وصل إليه بعض المتدينين ممن يُحسبون على رجال الدين وأهل العلم، فتارة يسب بعضهم بعضًا ويبدعون من كانوا بالأمس لهم قدوة، وتجدهم يكفِّرون ويبدعون وهم في الأصل ليسوا على شيء، وتجدهم يتعاملون بالنفاق ظاهرهم الالتزام والعلم وباطنهم السم القاتل. وأعتقد أن من أهم ما يساعد مستغلي الدين على خداع الناس واستغلالهم باسم الدين قلة ثقافة ومعرفة المجتمعات التي يعيشون فيها، وغسل العقول الذي يحدث لأفراد المجتمع على نحو منظم، فتجد الفرد يتعرض لغسل الدماغ وتكرار خرافات وأكاذيب مستغلي الدين عليه منذ نعومة أظافره، إلى أن تصبح عنده من المسلمات التي لا يمكن نقضها أبدًا من وجهة نظره، فيصل إلى مرحلة يكون فيها مرعوبًا وخائفًا جدًّا حتى من مجرد التفكير في عدم صحة هذه الأفكار أو مراجعتها.