رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لهم بنجلاديش.. ولنا دين!


الميم، فى «لهم»، هى علامة جمع الذكور، وليس كل الذكور رجالًا أو عقلاء، كما هو معروف وثابت، وكما أكد هؤلاء الذين احتفوا بخروج عشرات الآلاف لتشييع جنازة قيادى إسلامى فى بنجلاديش، وصفقوا لانتهاكهم إجراءات الإغلاق التام، التى فرضتها سلطات البلاد، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
وكالة الأنباء الألمانية قالت إن ١٠ آلاف شخص حضروا الجنازة، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن منظمى الجنازة أن الحضور كانوا ١٠٠ ألف، وعن الوكالتين، الفرنسية والألمانية، نقلت صحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية أن المتوفى اسمه جبير أحمد الأنصارى، وأنه داعية إسلامى، والزعيم السابق لحزب مجلس الخلافة، وتوفى بسكتة قلبية، عن عمر ناهز ٦٩ عامًا.
بقليل من البحث، عرفنا أن اسمه «زبير»، وأنه نائب رئيس ذلك الحزب. كما عرفنا، أيضًا، أنه كان يتلقى العلاج من «مرض الإيدز»، لمدة طويلة خارج البلاد، طبقًا لما نقلته وكالة أنباء «أوار إسلام» عن عطاء الله أمين، أمين عام الحزب المتطرف، الذى يتخذ من قيام الخلافة هدفًا ثابتًا له.
المهم، هو أن الأستاذ «زبير» رحل، مساء الجمعة، بعد أن «رسم ابتسامة عريضة فى ساحة المواعظ»، واتفقت الشرطة مع أسرته على أن يقتصر تشييع جنازته على خمسين شخصًا فقط، لتفادى خطر انتشار الفيروس القاتل، لكن شهادات حسين، قائد الشرطة، أقر بأن قوات الأمن عجزت عن مواجهة الحشود التى توافدت: «كانوا يتوافدون كالأمواج».
يوم الجنازة، السبت، أعلنت وزارة الصحة البنجالية، عن ٣٠٠ إصابة جديدة، ووصول إجمالى عدد المصابين إلى ٢١٤٤، وبإضافة تسع وفيات، صار إجمالى عدد المتوفين ٨٤ شخصًا، واليوم التالى للجنازة، الأحد، زاد عدد المصابين إلى ٢٤٥٦ والمتوفين إلى ٩١. وهناك، طبعًا، خبراء يعتقدون أن عدد المصابين أكبر بكثير مما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.
سبق أن توقفنا عند التجمع الدينى الذى أقيم، أواخر فبراير الماضى، فى مسجد قرب العاصمة الماليزية كوالالمبور، وتسبب فى إصابة أكثر من ٦٧٠ بفيروس كورونا المستجد فى ٤ دول: ٥٧٦ فى ماليزيا، ٦١ فى بروناى، ٢٢ فى كمبوديا، و١٣ فى إندونيسيا، وغالبًا، لم يكن الفيروس سيدخل دولتين، على الأقل، لو لم يشارك مواطنوها فى ذلك التجمع: بروناى، التى لم يصل عدد المصابين فيها إلى ١٤٠، وكمبوديا التى سجلت حوالى ١٢٠ إصابة. بينما يكاد العدد فى ماليزيا يكسر حاجز الـ٥٥٠٠، وكسر بالفعل حاجز الـ٦٥٠٠ فى إندونيسيا.
اكتشفت بنجلاديش أول ثلاث إصابات بالفيروس فى ٨ مارس الماضى، وبعد عشرة أيام، وصل عدد المصابين إلى ١٨ وتم تسجيل، أو الإعلان، عن حالة الوفاة الأولى. ومع أن السلطات كانت قد علقت الدراسة وأغلقت المساجد، التى يقدر عددها بحوالى ٣٠٠ ألف مسجد، وطالبت المواطنين بالتزام منازلهم للحد من انتشار الفيروس، إلا أن ٢٥ ألف مسلم، استقبلوا خبر الوفاة الأولى، بإقامة صلاة جماعية من أجل شفاء المصابين وإزالة خطر فيروس كورونا، متجاهلين تحذيرات السلطات من أن مثل هذه التجمعات الكبيرة قد يسهم فى زيادة انتقال العدوى فى البلاد، وحتى بعد أن فرضت حسينة واجد، رئيسة الوزراء، فى ٢٦ مارس، إغلاقًا كاملًا فى جميع أنحاء البلاد، لم يتوقف المتطرفون عن تحريض المواطنين على أداء الصلوات فى المساجد!.
جمهورية بنجلاديش الشعبية، دولة حديثة ظهرت سنة ١٩٧١ بعد انفصالها عن باكستان، وتقع فى جنوب شرق آسيا، وعدا بورما أو ميانمار التى تقع فى جنوبها الشرقى، فإن الهند تحدها من جميع الجهات، وهى إحدى الدول شديدة الكثافة السكانية: مساحتها حوالى ١٤٤ ألف كيلومتر مربع، ويسكنها نحو ١٦٨ مليون نسمة، ٨٩.٧٪ منهم يعتنقون الإسلام، أى حوالى ١٣٠ مليونًا، ما جعلها رابع دولة من حيث عدد المسلمين بعد إندونيسيا، الهند، وباكستان. بالإضافة إلى كونها واحدة من ثلاث دول توصف بأنها إسلامية، تسمح قوانينها بممارسة الدعارة.
الأكثر فقرًا، الأكثر تلوثًا، واكتظاظًا بالسكان، وتزدهر فيها تجارة البشر، الدعارة والجنس، وقالت دراسة أجرتها الأمم المتحدة إن مئات الآلاف هناك يزورون بيوت الدعارة يوميًا، وحدث أن أغلقت الشرطة بيتين للدعارة على مشارف العاصمة دكا، فى يوليو ١٩٩٩، وألقت القبض على عدد من بائعات الهوى، لكن منتصف مارس ٢٠٠٠، أصدرت المحكمة العليا فى بنجلاديش حكمًا يقضى بمشروعية ممارسة الدعارة كوسيلة لكسب العيش. والأكثر من ذلك هو أن المحكمة استنكرت ما فعلته الشرطة واتهمتها بأنها أرادت أن تحل محل القوادين!.
.. وأخيرًا، لن يسىء إلى مليارى مسلم، طبعًا، وجود مائة أو مائتى ألف عبيط فى بنجلاديش، ماليزيا، تركيا، أو على أسطح العمارات فى مصر، اعتقدوا أن فيروس كورونا المُستَجد قد يتوب إلى ربه ويتوقف عن إيذائهم، لو شاركهم تشييع ميت، أو أدّى معهم صلاة الجماعة!.