رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهروب من مواجهة كورونا!


عداد ضحايا فيروس كورونا المستجد، مصابين ومتوفين، يتصاعد. وغالبية دول العالم تسعى إلى تخفيف وطأة الكارثة الاقتصادية الوشيكة، التى يُقدّر صندوق النقد الدولى خسائرها بأكثر من ٩ تريليونات دولار. ومع ذلك، تحاول بعض الدول الهروب من مواجهة الوباء، أو التعتيم على فشلها فى مواجهته، بتصفية حساباتها مع دول أخرى، عبر حروب دعائية!.
أستراليا، انضمت أمس الأحد إلى قائمة الدول التى تهاجم الصين بسبب إدارتها لأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، وأثارت علامات استفهام حول شفافيتها، وطالبت بتحقيق دولى فى أصل الفيروس وكيفية انتشاره. ومبكرًا، وفى اجتماع، عبر الفيديو، مع نظرائه فى دول حلف شمال الأطلسى، اتهم هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا، حكومات بعض الدول بأنها تحاول استغلال الوضع الحالى لأغراض دعائية، وطالب بضرورة التصدى للأخبار الكاذبة الموجهة من تلك الحكومات ضد الاتحاد الأوروبى.
وزير الخارجية الألمانى لم يوجه اتهامات إلى دول بعينها، إلا أن المفوضية الأوروبية اتهمت روسيا والصين بمحاولة ضرب الاقتصاد الأوروبى من خلال دعاية حكومية، وأعربت عن استيائها من أن كثيرًا من المعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا المستجد تأتى من روسيا، زاعمة أن مصادر تلك المعلومات ارتبطت جزئيًا بالكرملين. وطبقًا لما أعلنته حملة «الاتحاد الأوروبى لمواجهة التضليل الإعلامى»، فإن هناك حوالى ٢٦ تقريرًا لوسائل إعلام مقربة من الكرملين، تم نشرها بين ٢٢ يناير الماضى وأول أبريل الجارى، أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبى «فشل» فى مواجهة أزمة كورونا.
الاتحاد الأوروبى انتقد بقوة ما وصفه بأنه «نشر ممنهج لمعلومات خاطئة خلال أزمة كورونا، وتوظيفها لأغراض سياسية». بينما قال الواقع إن المجلس الأوروبى لوزراء المالية والاقتصاد فشل، ثلاث مرات خلال أسبوعين، فى التوصل إلى خطة مشتركة لمواجهة الوباء، ولم ينجح فى التوصل إلى إقرار خطّة إنقاذ قيمتها ٥٠٠ مليار يورو لمساعدة الدول الأكثر تضرّرًا إلا بعد استقالة رئيس المعهد الأوروبى للبحوث!.
المعهد هو الهيئة العلمية الرئيسية للاتحاد الأوروبى، ويُعد واحدًا من أهم مراكز البحث العلمى فى العالم. وكان الإيطالى ماورو فيرارى، الذى تولى رئاسته بداية العام الجارى، قد تقدم باستقالته إلى أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، مساء الثلاثاء قبل الماضى. وبررها بأنه بدأ يواجه مشكلات، مطلع الشهر الماضى، عندما تبين أن الوباء سيؤدى إلى مأساة غير مسبوقة، واقترح وضع خطة أوروبية لمواجهة الفيروس، يتولى إعدادها أفضل الخبراء فى العالم، ومدهم بالموارد اللازمة لتطوير أدوية ولقاحات ومعدات تشخيص جديدة، وأن تُتخذ قرارات الوقاية والاحتواء استنادًا إلى الدراسات العلمية، وليس إلى المزاج المرتجل للقادة السياسيين. كما انتقد فيرارى غياب التنسيق بين الدول الأوروبية بشأن السياسات الصحية، وعدم التكافل المالى، وإغلاق الحدود بين الدول. 
ما فعلته دول الاتحاد الأوروبى، لا يقارن بما فعله ويفعله الرئيس الأمريكى الذى قال بوضوح إن الصين يجب أن تواجه عواقب، لم يذكرها، إذا كانت «مسئولة عن عمد» عن وباء كورونا المستجد. وأوضح فى مؤتمره الصحفى، أمس الأحد: «لو كان خطأ فالخطأ خطأ. ولكن إذا كانوا مسئولين عن عمد فأعنى هنا أنه لا بد وأن تكون هناك عواقب». وزعم ترامب أن العلاقة مع الصين كانت طيبة «إلى أن فعلوا ذلك». 
كلام الرئيس الأمريكى يخالف الواقع، ويتجاهل أن الاتفاق التجارى الذى وقعته إدارته مع الصين كان أقرب إلى الهدنة فى حرب الرسوم الجمركية، وأنه لم يمنعه من الدخول فى مواجهات على جبهات متعددة ضد الصين، بزعم الدفاع عن الديمقراطية فى هونج كونج، إلى إدانة نزعتها التوسعية العسكرية فى بحر الصين الجنوبى، مرورًا بالاتهامات بتجسس صناعى. كما انتهز وزير الخارجية الأمريكى فرصة عرض التقرير السنوى حول حقوق الإنسان، ليدين السياسة الصينية فى إقليم شينج يانج، ويتهمها باحتجاز مئات الآلاف من المسلمين. 
الأغرب مما سبق كله، هو دخول الأمم المتحدة على الخط، من زاوية بعيدة، وقيامها بنشر تقرير، الجمعة، يتهم الصين بالتقاعس عن تطبيق العقوبات الهادفة إلى كبح البرنامج النووى الكورى الشمالى، تضمن صورة لثمانى سفن كورية شمالية يحمل عدد منها شحنات فحم خاضعة للعقوبات راسية فى ميناء صينى فى ١٠ أكتوبر الماضى. وجاء فى التقرير المقدم إلى مجلس الأمن أن كوريا الشمالية واصلت الاستهزاء بقرارات المجلس «من خلال صادرات بحرية غير مشروعة تتكون من سلع أهمها الفحم والرمل». ثم قال دبلوماسى لوكالة «رويترز»، طالبًا عدم ذكر اسمه، إن الصين قادرة على وقف انتهاك العقوبات من جانب حليفتها كوريا الشمالية لكنها «تختار ببساطة ألا تطبق قرارات مجلس الأمن».
.. وتبقى الإشارة إلى أن أبراهام وينتروب، وزير التعليم البرازيلى، كتب فى تغريدة، أن فيروس كورونا المستجد جزء من خطة صينية «جيوسياسية» للسيطرة على العالم. وشدّد فى حوار مع راديو «بانتيرانتيس»، على أنه لن يتراجع عن هذا الاتهام إلا إذا ساعدت الصين بلاده فى مكافحة الوباء: «إذا منحتنا الصين ١٠٠٠ جهاز تنفس صناعى، سأركع على ركبتى أمام السفارة الصينية وأعتذر وأقول إننى أحمق»!.