رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغز العطسة القاتلة



العنوان يصلح لرواية بوليسية فاشلة، أو لفيلم خيال علمى أكثر فشلًا، لكننا نراه الأنسب لمقطع فيديو مرعب، قام بتصويره باحثون أمريكيون فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تتبعوا فيه مسار الرذاذ الناتج عن العطس والسعال، والذى قد يحمل فيروس «كورونا المستجد»، وانتهوا إلى أن ذلك الرذاذ قد يقطع مسافة تصل إلى ٨ أمتار فى أقل من ثانية!.
كان «الرجل الذى عطس» عنوانًا لفيلم كوميدى ظريف، كان عرضه الأول فى مثل هذا الشهر منذ ٣٥ سنة. وفيه كان مسعد الناقص «سمير غانم» يعطس بشكل مستمر، نتيجة إصابته بمرض، قال الدكتور صادق «الفنان سامى كامل» إنه سينهى حياته خلال ٩ شهور. ولن نحكى قصة الفيلم، الذى ننصحك بمشاهدته، لو لم تكن فعلت، وبأن تدعو لمؤلفه لينين الرملى، رحمه الله، الذى رحل بعد أيام من تحول العطسة، والذى عطس، إلى لغز كبير، يعجز العالم عن حله.
المهم، هو أن الباحثين الأمريكيين، الذين تتبعوا مسار رذاذ السعال والعطس، وجدوا أنه يمكن أن ينتقل فى جو رطب ودافئ بسرعة تتراوح بين ١٠ و٣٠ مترًا فى الثانية، وأن معدل تبخره يتوقف على حجمه وسرعته ودرجة الحرارة والرطوبة. كما وجد الباحثون أيضًا أن بعض قطرات الرذاذ يظل محاصرًا ومجمعًا فى السحابة الغازية المتحركة، التى يخلقها، بينما يمكن لبعضها الآخر أن يستقر على الأسطح التى يصادفها على طول مسار العطسة، والباقى تسقطه الجاذبية.
انتقال الفيروس عبر السعال أو العطس لا علاقة له بقدرته على التعلق فى الهواء لمدة معينة، أو عدمها. وسبق أن أوضحت منظمة الصحة العالمية أنه يُمكن للفيروس أن ينتقل فقط إذا تواجد الشخص فى حيز متر من شخص مصاب، أو لامس سطحًا ملوثًا ثم لمس عينه أو أنفه أو فمه. وفى سياقات مختلفة نصحت المنظمة ومراكز السيطرة على الأمراض المعدية بالحفاظ على مسافة مترين. أما الدراسة، التى نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA Insights)، فأكدت أن الرذاذ الناتج عن العطسة قد يتطاير فى الهواء لمسافة تتراوح بين ٧ أو ٨ أمتار، وقد تقل أو تزيد حسب درجة حرارة ورطوبة سحابة الغاز المتحركة، وغيرها من العوامل الجوية والبيئية، التى تتيح للرذاذ الهروب من التبخر لفترة أطول من المعتاد.
الدراسة أشرفت عليها ليديا بورويبة، أستاذة ديناميكيات الزفير، التى أكدت أن مقاييس التباعد الاجتماعى الحالية لم تأخذ فى الحسبان إمكانية وجود سحابة غازية ساخنة ورطبة، قادرة على الحفاظ على القطيرات الفيروسية لمسافات أطول. وبعد تأكيدها على أهمية استراتيجيات التباعد الاجتماعى المعمول بها فى الوقت الراهن، أبدت دهشتها من كون طرق التعامل مع انتقال عدوى الأمراض التنفسية لم تتطور منذ ثلاثينيات القرن الماضى. وانتقدت بورويبة توصيات منظمة الصحة العالمية، التى قامت بتقدير النطاق، أى مسافة المترين، دون أن تأخذ فى الاعتبار أن السحابة الغازية قد تحمل القطرات المحملة بالفيروس لمسافات أطول بكثير.
مسافة المترين نسفتها، أيضًا، دراسة أجراها باحثون صينيون قاموا بفحص عينات سطحية وجوية من وحدة العناية المركزة وجناح «كوفيد- ١٩» فى أحد مستشفيات مدينة ووهان الصينية، التى بدأ فيها ظهور المرض. وجاء فى النتائج الأولية، التى نشرتها مجلة «الأمراض المعدية الناشئة» الأمريكية، أن اختبار عينات سطحية وهوائية داخل أجنحة المستشفى أظهر أن الفيروس يتركز بشكل كبير على أرضيات الأجنحة «ربما بسبب الجاذبية وتدفق الهواء»، وتم العثور على مستويات عالية من جزيئات الفيروس على الأسطح التى يتم لمسها بشكل متكرر. كما كانت نصف العينات المأخوذة من أحذية الطاقم الطبى إيجابية. كما كشفت نتائج الدراسة، أيضًا، أن المريض المصاب حين يسعل أو يعطس، فإنه ينشر جزيئات الفيروس على مدى أربعة أمتار.
ما قد يطمئنك قليلًا هو أن الباحثين الصينيين أكدوا أن الطواقم الطبية والعاملين فى المستشفى لم يصابوا بالفيروس، ما يعنى أن الاحتياطات المناسبة، وإجراءات الوقاية التى قيل إنها لم تتطور منذ ثلاثينيات القرن الماضى، يمكن أن تمنع انتقال العدوى. وقد تطمئنك أكثر إشارة بول بوتنيجر، أستاذ الأمراض المعدية فى جامعة واشنطن، إلى أن الأسئلة لا تزال قائمة بشأن المسافات التى يقطعها الفيروس أو التى قد يظل فعالًا فيها.
سواء طمأنك ذلك، أو ظل الفأر الضال يلعب فى صدرك، فإن الحل البسيط، أو الاحتياط الواجب، يتلخص فى تغطية الفم والأنف بمنديل، عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل المستعمل على الفور، ليس فقط لكى يحمى المواطن الصالح نفسه والآخرين من فيروس كورونا المستجد، ولكن أيضًا للحماية من الأنفلونزا العادية أو من أى أمراض معدية أخرى، قد لا تظهر أعراضها.