رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيوتن المزيف.. عميل مثقف


نيوتن الحقيقى، أو الأصلى، هو عالم الفيزياء البريطانى الشهير إسحق نيوتن، صاحب قانون الجاذبية. أما نسخته المزيفة، أو المضروبة، فهو ذلك الذى يكتب مساحة يومية فى جريدة «المصرى اليوم»، غير المعروف اسمه، ملّته، أو جنسيته، وإن كان ما يكتبه، فى كثير من الأحيان، يوحى بأنه إسرائيلى الهوى والهوية.
فى أيام أكثر سوادًا من أيامنا تلك، سنة ١٦٦٥، مات طفل فى الخامسة من عمره فى مدينة كامبريدج البريطانية، وحين فحصت السلطات جثمانه لاحظت بقعًا سوداء على صدره. وهو ما كان يعنى أن وباء الطاعون، الذى تفشى فى لندن قبل أشهر قليلة، وصل إلى المدينة الواقعة على بعد ٦٠ ميلًا شمال العاصمة البريطانية. وعليه، هرب سكانها إلى الأرياف، وكان أحد هؤلاء إسحق نيوتن، الباحث الشاب، وقتها، فى جامعة كامبريدج، الذى عاد إلى مسقط رأسه فى ريف «وولسثورب مانور». وهناك رأى التفاح يتساقط من الأشجار فى حديقة منزل عائلته، فسأل نفسه: لماذا تسقط الأشياء دائمًا إلى الأسفل؟ ثم قال «وجدتها»، وبدأ يضع قانون الجاذبية.
تحت عنوان «وجدتها»، يكتب «نيوتن» المزيف مساحته اليومية، وقيل إنه هو نفسه رجل الأعمال صلاح دياب، مالك الجريدة، لكن عبر أُجراء تناوبوا على تحويل دردشاته الشفهية معهم إلى كلام مكتوب. وإلى أن يتم الإعلان عن اسم الأجير الأحدث، أو الحالى، يمكننا استنتاج أنه كامل الكفراوى، ذلك المثقف الماركسى الإخوانى، أو الإخوانى الماركسى، الذى حولته علاقته بالإسرائيليين، أو عمالته لهم، إلى رجل أعمال فاسد.
يوصف صلاح الدين أحمد توفيق دياب، بأنه إمبراطور التطبيع مع الإسرائيليين. وغير العلاقات التجارية التى تربطه بهم، فقد استجاب مع عدد من الكتاب ورجال الأعمال، من أمثاله، لمبادرة من ديفيد كيمحى، النائب الأسبق لرئيس المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، وأسسوا سنة ١٩٩٨، جمعية مشبوهة اختاروا لها اسم «حركة القاهرة للسلام». وعلى كبر، صار المذكور يكتب مقالات فى جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، التى تصدر فى لندن.
بعكس رحلة صلاح دياب، كانت رحلة كامل الكفراوى، التى بدأها كاتبًا ومؤلفًا مسرحيًا، ثم تحول إلى رجل أعمال، يملك مزارع ومصانع وشركات لتقسيم الأراضى. وما يجمع بين الرجلين هو علاقتهما بإسرائيل. لكن ما عرفناه عن الثانى، ولم يظهر ما يثبته على الأول، هو أن الإسرائيليين يضعون من يتعاملون معهم تحت السيطرة بأساليب عديدة، أبسطها التوقيع على شيكات يعجزون عن سداد قيمتها، أو بإمساك زلات عليهم.
تربى الكفراوى فى أحضان جماعة الإخوان، وكتب مسرحيات المحنة، عروس النيل، وكوميديا الرجل الكئيب. وكان دائم الحديث عن خطر الصهيونية، وينادى بمقاطعة إسرائيل، ثم تحول، إلى أشهر مستورد للبيض الإسرائيلى. بعد أن أغراه وكيل تجارى للشركات الإسرائيلية، بالتسهيلات، ومنحه البيض بأرخص الأسعار، ولم يأخذ منه غير شيكات مؤجلة الدفع. وفجأة، تم تقديم تلك الشيكات إلى النيابة العامة، فهرب المذكور واختفى تمامًا. ومن مخبئه بدأ يهدد عملاء المخابرات الإسرائيلية فى مصر، بأنه سيسلم نفسه للسلطات، وسيفضح حقيقة الدور الذى يلعبونه فى تخريب مصر. وقال إنه قام بتهريب مستندات تدينهم إلى السودان.
التطبيع التجارى أو الاقتصادى مع الإسرائيليين، كما أكد الكفراوى فى حوار أجراه معه زميلنا الكبير الراحل شفيق أحمد على، خلال فترة هروبه، كان مجرد ستار لطابور خامس يعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية، يضم رجال أعمال، مثقفين، سياسيين، كتابًا، وصحفيين، «ممسوكة» عليهم شيكات أو زلات، لضربهم وقت اللزوم، كما ضربوه. وأكد أنه، فى تعاملاته مع الإسرائيليين، كان كمن ذهب يبحث عن قرش فوجد كنزًا.
بحثًا عن هذا الكنز، أو كنوز أخرى، صار رجال أعمال كثيرون، فى خدمة الإسرائيليين، وزاد عددهم بشكل تصاعدى منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، سنة ١٩٧٩. ولا أدل على ذلك من أن إلياهو بن اليسار، السفير الإسرائيلى الأول لدى مصر، كتب فى مذكراته إنه طوال فترة عمله بالقاهرة لم يخرج إلا بثلاثة أصدقاء فقط، من بينهم سائق سيارته. بينما تحدث السفير الإسرائيلى الخامس ديفيد سلطان، عن رجال أعمال كثيرين ربطتهم به صداقة قوية، وربطتهم بالكيان الذى يمثله علاقات تجارية، وأشار إلى شركات ومزارع أسرة دياب التى تعتمد على التكنولوجيا الإسرائيلية، ويعمل بها خبراء، ومشيها خبراء، إسرائيليون.
ليس غريبًا، إذن، أن يوحى ما يكتبه نيوتن المزيف، فى كثير من الأحيان، بأنه إسرائيلى. وإذا كنا نعرف، كما يعرف زملاء كثيرون، أسماء عدد من الأجراء، الذين تناوبوا على تحويل دردشات صلاح دياب الشفهية معهم إلى كلام مكتوب، فإن تزايد جرعة السم المدسوس باحترافية، خلال الأيام الماضية، يرجّح أن يكون كامل الكفراوى، أو واحد شبهه، هو الأجير الحالى!.