رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفيروس الصينى صار أمريكيًا!



مع تفشى الوباء، تبنى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، تعبير «الفيروس الصينى» فى تصريحاته وتغريداته. واستخدم مايك بومبيو، وزير خارجيته، تعبير «فيروس ووهان»، للتأكيد، أيضًا، على أن الفيروس صينى الجنسية. وبدا واضحًا أن الإدارة الأمريكية ووسائل إعلامها، انشغلت بتسييس الفيروس أو تصفية الحسابات مع الصين، بدرجة أكبر من تركيزها على كيفية مواجهته والعمل على تقليل مخاطره وحماية الأمريكيين منه، فكانت النتيجة أن تصدرت الولايات المتحدة قائمة دول العالم فى عدد الإصابات والوفيات.
فى المقابل، أكد عالم الأوبئة الصينى، تشونج نانشان، أنه حتى لو حدثت العدوى الأولى فى الصين، فمن المحتمل جدًا أن يكون أصل الفيروس من الخارج. وبعده نشرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينخوا» تقريرًا جاء فيه أنه من «العبث» اعتبار الصين مصدرًا «مزعومًا» للفيروس. وتوالت التصريحات الرسمية وغير الرسمية التى تنفى وجود أى أدلة قاطعة على أن الصين هى مصدر الفيروس، وتشير إلى دخول الفيروس إلى الأراضى الصينية عبر طرق مجهولة. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الصين لم تتهم الولايات المتحدة، كما أشيع، بتخليق الفيروس أو بنشره فيها عمدًا. وكل ما حدث هو أن متحدثًا باسم الخارجية الصينية رجّح فى تغريدة أن يكون الفيروس قد انتقل إلى بلاده عن طريق جندى أمريكى مصاب. وسرعان ما نفت الصين، رسميًا، مسئوليتها عن تلك التغريدة وقالت إنها لا تعكس موقفها.
ما ذكره المتحدث باسم الخارجية الصينية، أكده جيف سميث، الرئيس التنفيذى لحكومة مقاطعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، فى تقرير نشرته جريدة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية، والمفارقة أن تلك الجريدة كانت واحدة من الصحف الأمريكية التى هاجمت الحزب الشيوعى الصينى، وشككت فى صحة الأنباء التى تخرج من بكين حول أعداد المصابين والمتوفين، أو بشأن عمليات احتواء الوباء. ما دفع الصين إلى مطالبة صحفييها، مع صحفيى «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، و«وول ستريت جورنال»، بتسليم بطاقاتهم الصحفية، ومغادرة البلاد.
فى تقريرها، نقلت «لوس أنجلوس تايمز» عن «سميث» اعتقاده بأن الفيروس انتشر فى الولايات المتحدة «بصمت» فى ديسمبر الماضى، أى قبل شهر على الأقل من رصد الإصابة الأولى بها. وأوضح أنهم لم يتمكنوا من ملاحظته لأنه «تزامن مع موسم الإنفلونزا»، ولأن «المصاب بدور خفيف قد لا يلاحظ ذلك ولا يذهب إلى الطبيب». ومع أن منطقة الساحل فى كاليفورنيا لم تسجل إصابات، حتى ٢٧ فبراير الماضى، إلا أن سميث رجّح أن تكون هى أول مكان ظهر به الفيروس.
هذا الكلام قد يعنى أن فيروس «كورونا المستجد» يمكن أن يكون قد وصل إلى الولايات المتحدة بعد وقت قصير من ظهوره فى الصين. لكن الرجل نفى هذا الاحتمال، وقال بشكل أكثر وضوحًا: «هذا يعنى أن الفيروس كان موجودًا فى مجتمعنا بالفعل، ولم ينشأ فى الصين وانتشر من هناك كما تعتقد السلطات الأمريكية». وزاد على ذلك، فأكد أن الفيروس «كان طليقًا فى مجتمعنا، وربما كان موجودًا منذ فترة أطول».
أهمية هذا الكلام، أو خطورته، هو أنه قد يقطع الطريق أمام محاولات مطالبة الصين بدفع فاتورة الوباء، أو تحميلها قيمة الأضرار الاقتصادية التى تسبب فيها. وتكون ساذجًا لو اعتقدت أن السيناتور ليندسى جراهام كان يمزح حين طالب الصين بتعويض بلاده عن الخسائر التى تكبدتها، أو حين طالب كل الدول المتضررة بأن تفعل الشىء نفسه. خاصة بعد تقدم زميله السيناتور جوش هارلى، فى نهاية الشهر الماضى، بمشروع قرار يطالب بأن تتحمل الصين وحدها كل الخسائر الاقتصادية نيابة عن الولايات المتحدة وعن العالم، بسبب محاولاتها إخفاء تفشى الوباء فى الأسابيع الأولى.
فيروس كورونا المستجد، الذى منحه الرئيس الأمريكى الجنسية الصينية، منحه مسئول فى إدارته الجنسية الأمريكية. والطريف أن «نظرية المؤامرة» اتهمت الدولتين أيضًا بتخليقه. إذ قيل إن الفيروس كان نتاج تجارب قام بها علماء فى أحد المختبرات الصينية، ثم أفلت من بين أيديهم. وقيل، أيضًا، إنه تم تصنيعه فى الولايات المتحدة، بهدف تدمير الصين وإيطاليا وإيران، قبل أن ينقلب السحر على الساحر. والقولان، الاتهامان، الادعاءان، أو الشائعتان، نفتهما دراسة أجراها معهد «سكريبس»، قام خلالها كريستيان أندرسن، أستاذ علم المناعة والأحياء الدقيقة، وزملاؤه فى المعهد، بدراسة النموذج الجينى للبروتينات التاجية التى تبرز من سطح الفيروس.
الأوبئة والأمراض المزمنة أودت، على مر العصور، بحياة ملايين البشر، وتسببت فى أزمات كبيرة استغرق تجاوزها سنوات كثيرة. ولا نعتقد أن وباءً شهد صراعًا حول جنسيته مثل كورونا المستجد. وسواء كان صينيًا، أمريكيًا، أو جاء من الفضاء، فلا نعتقد أن عاقلًا سيختلف على أن الأهم من هذا الهراء هو مواجهة الوباء، والعمل على تقليل مخاطره، وحماية الشعوب منه.