رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البتشول زهرة الدفء والغموض


البتشول، تعجبنى هذه الكلمة، جرسها الموسيقى رصين، تمتلئ النفس بتناغم حروفها، الشين أعلى قمة فى حروفها.. الشين المهموس والذى يخرج فى يسر مع النفس، وفى الشين رخاوة وامتداد، يدفع ذاكرتى لاستحضار آلة الكونترباص برسوخها وهيمنتها فى الأوركسترا الموسيقى. ومن دون الشين تصير الكلمة البتول، بكل ما تستحضره الكلمة من صور النقاء والطهارة والانقطاع عن الدنيا والتميز عن الآخرين.. مريم، فاطمة الزهراء، كل من خصهن الله برعايته وعنايته وجنبهن مخالطة الأغيار.
وتعنى كلمة البتشول فى لغة التاميل «الأوراق الخضراء»، وهو نبات يتسم بكثافته وقِصره، إذ إنه غالبًا ما لا يتعدّى ارتفاعه مترًا واحدًا. وتحمل نبتة البتشول زهرة صغيرة بيضاء وبنفسجية.
يستخدم البتشول فى العديد من البلدان الآسيوية، مثل اليابان وماليزيا، كمضاد للدغات الأفاعى السامة. ويستخدم عطره للحث على الاسترخاء. ويستخدم الطب الصينى النبات لعلاج الصداع، ونزلات البرد، والغثيان، والإسهال، وآلام البطن. ويعتبر المعالجون بالزيوت العطرية أن زيت البتشول يمثل نوعًا من مثيرات الشهوة بسبب الاعتقاد بأن رائحته تحفز الغدة النخامية على إفراز الإندورفين والمواد الكيميائية التى تقتل الألم وتعزز النشوة، وكذلك المشاعر الجنسية. يوصون بفائدة البتشول للاستخدام الخارجى لعلاج القلق، على الأقل بجرعات صغيرة. حيث إن رائحة الزيت غير المخفف قد لا يحبها كثير من الناس.
يرتبط نبات البتشول بصناعة العطور، حيث يستخرج منه زيت خشبى ينتمى إلى عائلة النعناع، يتميز برائحته العميقة والغنية والدافئة التى تجعل من يستخدمه فى مزاج الصيف حتى لو كان الجو باردًا جدًا، مما يجعله مثاليًا لأيام الشتاء. كما يتسم زيت البتشول بتفرده، فكلما مر الوقت عليه يتعتق ويصبح شذاه أغنى وأعمق من الزيت المستخرج حديثًا. وتتميز العطور التى تتخذ من البتشول قاعدة لها بأنها ذات رائحة مهدئة ونابضة بالحياة، حيث يمتزج زيت البتشول مع العديد من المكونات العطرية كالعنبر وخشب الصندل وخشب الأرز والفلفل الأسود واللوز وقشر الليمون وإكليل الجبل والعنبر الأسود، والبنفسج والفانيليا، والقرفة والورد والخوخ والبرقوق، هذا التناغم يعطى لعطور البتشول قوة حريرية، إضافة إلى جاذبيتها ودفئها واستمرار تأثيرها لفترات طويلة لثبات جزيئات البتشول على الجلد فكأنه جزء من شخصية المرء، فتعطى من يستخدمه من النساء والرجال سحرًا وغموضًا.
وقد تناسب غموض البتشول مع سحر الحضارة الفرعونية، حيث كان المصريون القدامى من أهم الشعوب وأولها فى استخدام البتشول، حتى يقال إن الفرعون توت عنخ آمون قد دفن مع ٤٠ لترًا من زيته، ما يدل على أهمية هذا المستحضر الخشبى الذى لا تزيد طول شجرته على المتر، واقترانه بالملوك والأباطرة وطبقة الأغنياء عمومًا. أما التجار الأوروبيون القدامى فعدّوا قيمة المستحضر مرادفًا للذهب، فكان يُستخدم أحيانًا عملة فى عمليات المقايضة.
عَبرت هذه النبتة إلى منطقة الشرق الأوسط، عبر ما كان يعرف سابقا بـ«طريق الحرير». ثم تابعت طريقها نحو أوروبا التى بلغتها بفضل نابليون بونابرت، الذى استقدم من مصر وشاحَين معطرين بالبتشول، ومحملين بشذى غامض يجسد سحر الشرق.
هل سبق أن رأيت نبات البتشول؟
هل فى خزانتك عطر يحمل بصمة البتشول؟
فتش قليلًا فربما يكون لديك كنز من السحر والغموض.