رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة الإخوان مع الجمعيات الخيرية


فى هذه الأيام يثور الكثير من التساؤلات المشوبة بالحذر عن بعض الجمعيات التى تتلقى التبرعات لإنفاقها فى أوجه الخير، وقد لا يعنينى فى هذا المقال اسم جمعية ما، أو شبهة طالت جمعية بذاتها، ولكن الذى يعنينى هو فكرة استغلال الإخوان الجمعيات المدنية التى كانت وستظل من قواها الناعمة التى تستخدمها للتأثير واجتذاب المتعاطفين، وللإخوان قصة طويلة مع القوى الناعمة يجب أن نحكيها ونتوقف عندها لنعرف كيف تتحرك هذه الجماعة حتى فى أوقات ضعفها.
تبدأ قصة القوى الناعمة للإخوان منذ أن أنشأ حسن البنا جماعته، وكانت وسيلته الصحف والمجلات التى أطلقها وجعلها لسان حال جماعته، ولعل معظم الناس لا يعلم أنه كانت لجماعة الإخوان شبكة إذاعية خاصة فى الأربعينيات من القرن العشرين، وكانت لها أيضًا عشرات المدارس الخاصة التى أصبحت قبل أحداث يناير ٢٠١١ أكثر من ألف مدرسة فى أنحاء الجمهورية، كما أنه كان لهم فى أوائل الأربعينيات مسرح، وكان الذى يشرف عليه عبدالرحمن البنا شقيق حسن البنا، وللتاريخ فإن بعض نجوم هذا المسرح أصبحوا نجومًا فى مجال التمثيل والإخراج بعد ذلك، وقد عملوا مع الإخوان رغم اختلاف أيديولوجياتهم مثل الفنان الراحل سعد أردش، والفنان الراحل عبدالمنعم مدبولى، الذى كان صديقًا شخصيًا لعبدالرحمن البنا، وقد عاد الإخوان فى أوائل التسعينيات لينشئوا حركة مسرحية خاصة بهم بدأت فى النقابات المهنية، ثم استطاع بعضهم تكوين فرق مسرحية خاصة قدمت العديد من العروض على مسارح الدولة فى زمن حكم مبارك، وقد كان هدفهم هو «أخونة المجتمع ثقافيًا وفكريًا وسياسيًا»، بحيث يصاب معظم الشعب بحالة أطلق عليها بعض الأصدقاء من الإخوان السابقين «حالة التأخون اللا إرادى»، وهى حالة قد نجدها ماثلة أمام أعيننا فى كثير من الأشخاص يقفون ضد جماعة الإخون إلا أنهم من الناحية الواقعية يعبرون عن أفكارها.
ولكن هذه القوى الناعمة تحتاج إلى أذرع للحماية، وأذرع للتأثير، وأذرع للمعلومات، لذلك كانت الفكرة التى ابتدعها الشباب الجديد فى الجماعة فى أواخر السبعينيات تتمثل فى الدخول فى انتخابات النقابات المهنية والأندية، ثم كانت الفكرة الثانية التى تتمثل فى إنشاء مراكز حقوقية لحماية الإخوان، ومراكز بحثية تمثل المصدر المعلوماتى لهم، ومراكز تعليمية وتربوية وتنموية كقوى تأثير وتجنيد، وجمعيات خيرية تتجه بالأموال المتبرع بها إلى القرى الأكثر احتياجًا، وإلى المرأة المعيلة، والأيتام، ومن خلالها جميعًا تستطيع التوغل فى أعماق المجتمع بحرية كبيرة من غير أن يجابهها أحد بالحظر القانونى وعدم الشرعية، بالإضافة إلى قيامها بوظيفة الجسر أو الكوبرى الموصل بين الجماعة ومنظمات المجتمع الدولى.
أما عن حرفة جمع التبرعات لأوجه الخير فقد برع فيها الإخوان منذ زمن حسن البنا، ولا أظن جماعة فى العالم نجحت فى جمع التبرعات مثل جماعة الإخوان، وأعضاؤها دائمًا يجعلون غطاء جمع التبرعات هو الدين أو فلسطين، أو الفقراء ومستحقى الزكاة، ولكن أين تذهب هذه التبرعات فى الحقيقة؟ يحدثنا التاريخ أنها تذهب دائمًا لتحقيق أهداف الجماعة، وفى تاريخ الجماعة قصة غريبة عن التبرعات التى كانت الجماعة تجمعها فى الأربعينيات من أجل فلسطين، وقد وردت هذه القصة بصور مختلفة، إلا أن القدر اليقينى يتلخص فى أن وكيل الجماعة الشيخ أحمد السكرى طلب من حسن البنا أن يطلعه على ميزانية الجماعة، بحكم مسئوليته كوكيل لهذا التنظيم، فإذا بالسكرى يُفاجأ بأن البنا جمع تبرعات لفلسطين قدرها ثلاثين ألف جنيه، ولكنه أرسل لفلسطين ألف جنيه فقط، أما الباقى فقد اختفى ولم يظهر له أى أثر فى ميزانية الجماعة، فثار الشيخ السكرى على البنا وطلب منه أن يخبره عن مآل باقى التبرعات، فقال له حسن البنا إنه ذهب من أجل الدعوة!.. ذهب من أجل الدعوة يا شيخ حسن أم أن البنا ذهب بالمبلغ؟! وثار السكرى على البنا وقدّم استقالته من موقعه ثم من الجماعة بأسرها، وكتب قصة سرقة البنا التبرعات فى جريدة «الوفد».
ومرت السنوات وظل نهج جمع التبرعات حرفة ظل عليها الإخوان وكأنها وظيفتهم العليا، وفى فترة مبارك تزايدت أعداد تلك الجمعيات الخيرية بشكل كبير حتى وصل عددها إلى أكثر من ألف جمعية، بعضها أصبح مع الأيام جمعيات كبيرة وأخذت إعلاناتها تغزو الشاشات، أما أغلبية تلك الجمعيات فقد انتشرت فى العديد من المحافظات كالقاهرة والإسكندرية والغربية والدقهلية، فضلًا عن صعيد مصر، وكانت من تلك الجمعيات الإخوانية الصغيرة جمعية أنشأها أحد الإخوة اسمه عادل الفيومى بتكليف من خيرت الشاطر عام ١٩٩٨ اسمها جمعية «الحق للأيتام»، وكان الأخ عادل هذا يعمل مدرس لغة عربية فى مدرسة إخوانية هى مدرسة المقطم الدولية للغات لصاحبها القيادى الإخوانى عدلى قزاز وابنه خالد قزاز، وكان معظم ما يقوم بتحصيله من تبرعات يأخذه من جمعية نسائية دينية اسمها «القبيسيات»، بالإضافة إلى عدة جمعيات أخرى، فضلًا عن أولياء الأمور فى مدارس الإخوان، وحدثت عام ٢٠٠٠ انتفاضة فلسطينية شهيرة هى «انتفاضة الأقصى»، فطلبت الجماعة من أفرادها العاملين فى جمع التبرعات أن ينشطوا لجمع التبرعات لفلسطين من الأفراد والجمعيات والشركات والشيوخ، وإذا بهذا الشاب الفيومى يحصل من جمعية «القبيسيات» وحدها على آلاف الجنيهات، فضلًا عن تبرعات عينية من الذهب والمجوهرات، وظل يجمع من أفراد وشخصيات وجمعيات مختلفة حتى وصل ما جمعه إلى أكثر من عشرة ملايين جنيه، ثم إذا به بعد ذلك بدلًا من أن يقوم بتوريد هذه التبرعات للجماعة ويأخذ منها نصيبه، إذا به يختفى وينقطع خبره عن الجميع، وعرف الجميع بعد ذلك أنه كان قد فر هاربًا خارج مصر. المهم فى هذا الموضوع أن الإخوان نجحوا، فى هذا العام، فى جمع نصف مليار جنيه تبرعات للانتفاضة ذهبت جميعها إلى الاستثمارات التى كان يديرها يوسف ندا خارج مصر.
لم تكن الجمعيات وحدها هى التى تجمع المال لتلك الجماعة، ولكن النقابات المهنية شاركت فى هذا بشكل كبير، وكانت أنشط نقابة فى هذا المجال هى نقابة الأطباء، حيث أسس فيها عبدالمنعم أبوالفتوح لجنة أطلقوا عليها «لجنة الإغاثة»، وكذلك «لجنة الإغاثة» التى أنشأوها فى «اتحاد الأطباء العرب»، وكانت هاتان اللجنتان معنيتين بجمع التبرعات من الأطباء والمستشفيات الخاصة، حتى إن البعض كان يعتبر ما يدفعه من تبرعات لهاتين اللجنتين هو من باب زكاة المال، أو من باب الصدقات.
هذه هى بعض أذرع الجماعة التى كانت، وما زالت، تتحرك بها وبغيرها لتخدم أهدافها، وللأسف الشديد لا يزال الكثير من هذه الجمعيات قائمًا حتى الآن، وبالذات الجمعيات التى تديرها الأخوات، التى تعمل على موضوعات المرأة المعيلة والأيتام ومرضى السرطان، ولا تزال الجماعة تُنشئ، عن طريق أخوات جدد، جمعيات تنموية جديدة تستكمل أوراقها من الناحية الشكلية، وتقدم نفسها على أنها معنية بمشاكل الأسرة، ومن خلال الدورات التى تقدمها تعمل على أخونة سيدات مصر وشبابها وأطفالها ثقافيًا أو فكريًا أو تنظيميًا.
فهل ستنجح تلك الجمعيات فى تمويل أنشطة الجماعة الرامية إلى بعثها للحياة من جديد؟.. كل هذا لن يحدث، ومع ذلك ستظهر بين الحين والآخر جمعيات ترفع شعارات وطنية وتمارس وظيفة إخوانية، وسيظل بعضها بعيدًا فترة عن الرقابة، ولكنها ستقع ذات يوم قريب، وسينكشف اللثام عنها، وستفشل تلك الجمعيات حتمًا فى تحقيق أهداف تلك الجماعة الإرهابية الفاشية، فمهما كان لن تعود الجماعة للحياة مرة أخرى فالجماعة ماتت، ولا ينقصنا إلا تشييع جنازتها دون أن نصلى عليها، فوباء تلك الجماعة الفيروسى يمنعنا من إقامة صلاة الجنازة عليها.