رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشاركة المجتمعية والوعى المطلوب



لعلها من المرات النادرة التى تأخذ فيها الدولة قراراتها بناء على تصرفات المواطنين وليس على توجهاتهم السياسية أو الثقافية أو حتى الاجتماعية، وهو ما تتابعه الحكومة حاليًا عن كثب لتقرر الخطوات التالية التى سوف تتخذها بناء على مدى الاستجابة والتطبيق لتلك القرارات التى أقرتها منذ بداية ظهور فيروس كورونا فى مصر، والذى شهد الجميع بأنها كانت قرارات استباقية مدروسة ومتناسقة مع تطور الأحداث وتزايد نسبة الإصابات بهذا الفيروس، ولم تكن أبدًا قرارات تحمل فيها المواطن أى أعباء إضافية سوى مطالبته بالحرص على سلامته ونظافته وصحته، وتمت إدارة الأزمة بكل احترافية وثبات حتى الآن.
وقد تدرجت تلك الإدارة من خلال عدة خطوات متتابعة، حيث كان الانتقال للخطوة التى تليها مرهونًا بمدى استجابة المواطن وتفاعله وتطبيقه لما قررته الدولة، حيث بدأت بتعطيل الدراسة فى المدارس والجامعات واستبدالها بأساليب التعليم عن بُعد، وتم تقليص ساعات العمل فى المؤسسات الرسمية ودعوة القطاع الخاص لمثل هذا الإجراء دون التأثير على الحقوق المالية للعاملين مع تعليق الأنشطة والفعاليات الرياضية والفنية والثقافية، وبدأت عمليات تعقيم الأماكن والمنشآت العامة بمعرفة القوات المسلحة والشرطة، وقام الإعلام بدور إيجابى فى نشر البيانات الرسمية من مصادرها الأصلية، بالإضافة إلى التوعية المستمرة فيما يتعلق بالثقافة الصحية والسلوكية، ساعده فى ذلك تلك الشفافية التى اتسم بها أداء الجهات المعنية التى تتعامل فى مواجهة هذا الفيروس خاصة وزارة الصحة، وهو الأمر الذى أفشل مخططات أهل الشر فى نشر الشائعات المغلوطة لإرباك المشهد الداخلى للبلاد، ثم هذا الأداء الراقى للعاملين بالقطاع الصحى بجميع مرافقه فى المستشفيات والعزل الصحى والإسعاف، وهو الأمر الذى كان محل تقدير واحترام الجميع لهم بدءًا من القيادة السياسية، حيث طلب السيد الرئيس مبدئيًا زيادة البدل المالى الذى يحصلون عليه والنظر فى دراسة شاملة لتحسين وضعهم المعيشى بما يتناسب مع تلك الجهود الكبيرة التى يبذلونها لحماية الوطن والمواطن من تفشى هذا الخطر اللعين، حتى إننا أطلقنا على هؤلاء الأبطال «الجيش الأبيض»، وذلك تقديرًا لكل ما يقومون به من أعمال بطولية خاصة ونحن بطبيعتنا نعتبر الجيش المصرى هو صمام الأمان لنا فى الداخل والخارج، إلى أن وصلنا إلى مرحلة حظر التجول الجزئى الذى فرض علينا البقاء فى منازلنا من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباح اليوم التالى وأعطى للعاملين الفرصة للحركة والعمل فيما بين هذا التوقيت، حتى تستمر الحياة ويستمر دولاب العمل دون توقف لئلا تتعرض الدولة لهزة اقتصادية هى فى غنى عنها، وهنا بدأنا نلاحظ أن كل شريحة اجتماعية قد عبّرت عن سلوكها وذاتها بطريقة تختلف عن الأخرى، فثمة شرائح اجتماعية تحلت بالفعل بالانضباط السلوكى، بينما انطلقت شرائح أخرى تمارس حياتها العادية فى الشوارع وعلى الشواطئ وفى الأسواق وكأن شيئًا لم يكن فى أجواء من المرح والسخرية والاستقواء والتحدى، وأخرى بدأت تتلاعب باسم الدين تقودها تلك الفئة الموتورة من المتشددين وتجار الأديان ويحاولون الدفع بالبسطاء من الشباب والرجال لمناهضة الإجراءات التى تتخذها الدولة لحمايتهم ومحاولة اقتحام المساجد أو إقامة شعائر الصلاة فى تجمعات قد تتسبب فى نقل الفيروس بينهم.
كما وجدنا تلك الشريحة الرابعة المتمثلة فى المصريين العالقين فى الخارج التى قامت الدولة بمبادرة إنسانية بإعادتهم إلى الوطن على نفقتها، وسهلت لهم الإقامة فى عدة فنادق تم تجهيزها على أعلى مستوى لاستضافتهم أثناء فترة العزل الصحى الذى حددته منظمة الصحة العالمية وهو ١٤ يومًا، حيث وجدنا بعضهم- وهم قلة- يتطاول على المسئولين عن استقبالهم فى المطارات والموانئ المختلفة، والأطباء الذين يقدمون لهم الخدمات الطبية المطلوبة، بل إن البعض منهم قام بالتواصل مع بعض القنوات المعادية المأجورة ليشكوا من المعاملة والأطعمة التى تُقدم لهم، فى حين أن الفئة الغالبة التزمت بتلك التعليمات، بل إن الكثير منهم أعربوا عن سعادتهم وفخرهم بوطنهم، حيث قدمت لهم ما لم تقدمه الدول الكبرى القادمين منها من خدمات واهتمامات صحية وطبية، ناهيك عن تلك التجاوزات التى صدرت من البعض الذى ثبت أن لهم انتماءات معادية للدولة ومع ذلك فقد تم استقبالهم بكل احترام وتقدير.
وبالرغم من أن الدولة المصرية حققت نجاحًا ملحوظًا فى اكتشاف قدرتها على المبادرة وسرعة الحركة بقرارات حاسمة وواعية فى كل القطاعات تقريبًا، حيث تمكنت من بث الطمأنينة فى نفوس المواطنين مما أدى إلى عدم تكالبهم على تخزين السلع الغذائية، كذلك قامت بترشيد حركة التعاملات المصرفية وصرف إعانات للعمالة اليومية غير المسجلة والتوزيع الاستباقى للأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فإننا يجب أن نلقى على المواطنين جزءًا من تحمل المسئولية مع الدولة، كى نعبر معًا تلك الأزمة ونخرج منها بمبادئ وقيم جديدة قد تؤدى إلى إعادة اكتشاف المعدن الأصيل للإنسان المصرى القائم على التعاون والإيثار والتدين المعتدل.. وفى ذات الوقت لا تدفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من تلك المتبعة حاليًا.
ونرى أن ذلك من الممكن أن يتم من خلال:
- التوسع فى نشر الوعى المجتمعى خاصة بالنسبة للشرائح الثانية والثالثة والرابعة السابق الإشارة إليها.
- النظر فى التوسع فى نشر الأسواق المتحركة من خلال سيارات تجوب القرى والمدن والمحافظات منعًا للتكدس خلال الفترة الصباحية.
- تقليص عدد الموظفين فى الهيكل الإدارى خاصة فى الإدارات والهيئات التى كانت تقدم خدماتها للمواطنين كالشهر العقارى والأحوال المدنية والمرور والجوازات.. إلخ التى تم إيقاف العمل فيها مؤقتًا إلى أقل عدد ممكن أو منحهم إجازات خلال الأيام الحالية وحتى انقشاع الوباء.
- التوسع فى تطبيق العقوبات على مخالفى قواعد الحظر وأيضًا على التجار الذين يستغلون تلك الظروف والإعلان عن تلك العقوبات فى وسائل الإعلام فور تطبيقها تحقيقًا لمبدأ الردع.
إن مسئولية حماية الوطن هى مسئولية جماعية لا تقتصر على أجهزة الدولة فقط بل تشمل المواطنين بمختلف طوائفهم وثقافاتهم، وبالتالى كلما زاد الوعى والمشاركة والتفاعل الإيجابى، فإن الدولة لن تكون مضطرة لاتخاذ إجراءات أكثر مما هى عليه الآن حتى نعبر تلك المرحلة التى عجزت الدول العظمى عن مواجهتها، فى حين أن الدولة المصرية تديرها بنجاح واقتدار حتى الآن، ونتمنى أن تستمر فى تحقيق ذلك بفضل تعاون ووعى شعبنا المصرى الواعى الأصيل.
وتحيا مصر