رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد داود: أثر كورونا على الكتابة الروائية يحتاج إلى سنوات ليظهر

محمد داود
محمد داود

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بكورونا، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد الكورونا، وبعيدا عن روايات أو عالم الــ"ديستوبيا" استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وعليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه على العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها في محاولة لاستشراف عالم الغد.

قال الكاتب محمد داود: "ما تزال تداعيات وباء كورونا في طور التشكل على كل المستويات حتى المستوى الفردي، الجميع في خطر هذا مربك ربما امتلك البعض ما يكفي من القوة النفسية لتناول توقعات أكثر موضوعية وتوازنًا من الآخرين بشأن المستقبل بينما يحوطه غبار اللحظة الملبد بالفيروس، المتربص، الخفي، الذي أفقدنا أمان ملامسة الأشياء وملامسة الوجه".

وأضاف" إن أمان المحادثة وأمان التنفس، هذا بعض ما يدفعني للتردد في اقتراح إجابات مرضية لنفسي عن التساؤل كيف يكون العالم ما بعد هذا الوباء. أفضل تجنب الانسياق وراء العبارات السائرة المتسرعة مثل القول؛ إن العالم ما بعد كورونا سيختلف تمامًا عنه ما قبل كورونا".

وتابع: "أفضل أيضًا أن نولي أهمية للتفكير أولًا لعبور الأزمة في مصر بأقل الخسائر؛ لأن كل جماعة بشرية تدير شأنها الخاص ضمن الدولة القومية الحديثة كإطار سائد في العالم الآن، مع تبادل الخبرات وربما المساعدات حتى تنجح إحدى الجماعات الأكثر تقدمًا في اختراع لقاح أو علاج".

أوضح: "تدار الحياة في مصر من قرون طويلة بعقل اعتاد على إجابات جاهزة عن أسئلة الواقع، وما زال يتمسك بها، مهما كانت منتهية الصلاحية، نتيجة ارتباط مزعوم بالمقدس، هذا جلب التخلف، ويجعلنا نكافح دائمًا لتجنب فوضى مؤجلة، ومهددين في كل أزمة بالفوضى العاجلة التي يسعى إليها المنتمون للأطياف التنظيمية من الرجعية الدينية كالإخوان المسلمين الذين لا يخفون كراهيتهم وتربصهم وسعيهم في سيناريو الانهيار والفوضى، خاب مسعاهم".

ولفت: "في هذا الوباء، هناك فئات أكثر عرضة للعدوى والخطر، خاصة المسنين، والذين يعانون من أمراض مزمنة، والمدخنين. أنتمي لفئة الذين يتلقون عقاقير مؤثرة على المناعة. موضوعيًا لدي عامل خطورة؛ لكني وجدانيًّا متفائل دائمًا، لا أعتبرني قلقًا زيادة على الطبيعي؛ فقط أزعم الشعور القوي بالفئات الأكثر تعرضًا للخطر، والتي ينتمي إليها كتاب وشعراء كثيرون أتواصل مع بعضهم وأتحدث بكل تفاؤل دون أن أصارحهم بمخاوفي عليهم بصفتي طبيبًا، وأتمنى أن تجاملنا الظروف ويكون لدرجة الحرارة مثلًا دور في كبح الوباء، فنعبره جميعًا سالمين، وندرجه في أرشيف الذكريات جوار أزمات كثيرة عبرناها معًا، وفيها تقاسمنا القلق والتوتر، تناهبتنا المخاوف المشتركة، وتلاقت الآراء واختلفت".

واستكمل: "في الحجر المنزلي واتتني فرصة العكوف على بعض القراءات والكتابات التي كانت مؤجلة، تواجدتُ بكثافة أكثر من المعتاد في مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة الإقدام على تسجيل وإذاعة مقاطع في يوتيوب عن العوامل العقلية التي تضعف موقفنا في مواجهة الأزمة، لم أهتم بتصوير جيد أو إخراج متقن، هذا تهور؛ لكني قلت في نفسي إن عبرتُ هذا الوباء سالمًا فلي الفخر، وإن لم يكن فقد رفعتُ صوتي ببعض كلماتي، وقد كتبتُ الكثير دائمًا بأقصى درجة ممكنة من الصراحة والوضوح ضد الرجعية الدينية، دون اعتبار للتربص من حملة العقل الرجعي المهيمن في مصر".

وأكمل: "أكتب الروايات أساسًا، والرواية فعل تأملي استرجاعي غير الشعر الذي يميل نحو التفاعل السريع مع الأحداث، والقصة القصيرة في هذا الشأن مثل الشعر، وإن بدرجة أقل. أواصل الكتابة في روايتين، لا علاقة مباشرة لهما بالوباء الحالي؛ لأني أكتب فيهما منذ سنوات، وكنت على وشك التحرك نحو نشر مجموعة قصصية وكتاب في نقد الهيمنة الدينية على العقل المصري؛ لكن هذا تأجل".

وذكر: "أرى أن أثر الوباء الحالي على الكتابة الروائية عمومًا يحتاج إلى سنوات حتى يظهر، إن كان له ذلك، وقد مر قرابة عقد من الزمان دون كتابات كثيرة كبيرة القيمة حول ثورة يناير كحدث كبير سابق، لعل أثر الثورة على الكتابة الإبداعية غير مباشر أساسًا، ولا أجد ما يدعو لأن نتوقع استجابة مختلفة للأزمة الحالية، خاصة وأنها ما تزال تؤرجحنا بين الأمل والرجاء في الإفلات والقلق والخوف من فقدان السيطرة على الوباء، قلما نقرأ قصيدة -أو قصة- تشير إلى تفاعل حيوي خلاق".

وأشار: "ربما امتصت وسائل التواصل الاجتماعي الشفاهية والقائمة على الصورة، الكثير من طاقة الشعراء وكتاب القصة. معظم ما أتمنى يختلف مع ما أتوقعه. أتمنى أن تدفع الأزمة نحو تطور كبير في الوعي، بما قد ينعكس على طريقة إدارة العقل المصري للحياة بما فيها الإنتاج الأدبي، وكذلك فعل القراءة الذي تخصم منه هو أيضًا وسائط التواصل الاجتماعي".

وأكد: "لعل للتساؤل عن عالم ما بعد وباء كورونا، دلالة ضمنية داخل التساؤل الذي يشير هو نفسه لاهتمام بالعالم تجاوزًا للحدود الوطنية، قد يعزز وباء كورونا إدراك العقل المهيمن في مصر أن البشر جميعًا سواء في كوكب واحد، لسنا جماعة مميزة في مواجهة عالم يجند الله الفيروس لصالحنا ضده في الصين أو أوروبا، نحن وراء العالم المتقدم بخطوات كثيرة، ونحن البشر سواء جميعًا في مواجهة طاحنة مع وباء عابر للحدود، والثقافات".

واختتم: "لعل أكثر ما نتمنى أن ينتح عن ذلك الوباء أو ما قد يحدث هو تعزيز الشعور الإنساني مقابل العصبيات الوطنية والدينية والعرقية، لعل هذا يدفع البشرية خطوة نحو إدارة كوكبية للحياة على الأرض، تتحرى الصالح البشري العام، حيث تحل قيم التعاون والتضامن محل الصراع والنزاع، وتتقدم أهمية قضايا مثل البيئة، والمناخ والبحث العلمي على غيرها".