رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ عبدالرءوف السجينى.. تمتع بمنزلة مرموقة عند العامَّة والخاصَّة


عبدالرءوف السجينى الشافعى، شيخ الأزهر فى الفترة «١٧٦٧ - ١٧٦٨م»، هو الشيخ التاسع للأزهر ويلقب بـ«السجينى» نسبة إلى بلدته قرية «سجين الكوم» بمحافظة الغربية.

حفظ القرآن الكريم، ولزم عمه «الشيخ السجينى» وكان من العلماء، كما كان والده أيضًا، رغم أن عمَّه هذا كان كفيف البصر، لكنه كان من كبار العلماء، فقد كان فقيهًا نحويًا أصوليًا شافعيًا.

ويظهر أنه سليل أسرة اشتهرت بالعلم، فقد ذكر الجبرتى فى حديثه عن الشيخ «السيواسى» أن العلامة الشيخ محمد السجينى- والد الإمام- كان إذا مَرَّ بحلقة درسه خفض من مشيته ووقف قليلًا وأنصت لحُسن تقريره، ووصف هذا الشيخ والد الإمام بأنه: «الأستاذ العلاّمة شيخ المشايخ محمد السجينى الشافعى الضرير»، وأنه توفى سنة ١١٥٨هـ، ثم ذكر أنه تلقى العلم عن الشيخ مطاوع السجينى وغيره، وأنه كان إمامًا عظيمًا وفقيهًا نحويًا أصوليًا منطقيًا، أخذ عنه الكثيرون، وذكر أنه تفقه على يد الشيخ عبدالله السجينى، وأنه تولَّى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبدالرءوف. ومهما يكن من شىء، فإن الإمام السجينى كان من أسرة اشتهرت بالعلم، وكان أستاذه الأكبر عمه الشيخ الشمس السجينى، وأنه لازم عمه حتى تخرج على يديه، وأنه خلفه فى دراسة المنهج، ولعله «منهج الطلاب للأنصارى» فقد كان من الكتب المقررة المهمة فى مذهب الشافعى بالأزهر، كان الشيخ السجينى من المعروفين بالعلم والتقوى، والحكمة، وحُسن تدبير الأمور.

كان الشيخ السجينى ذا مكانة عالية، وقد اشتهر ذكره قبل ولايته لمشيخة الأزهر بسبب حادثة وقعت فى ذلك الحين، ذكرها الجبرتى فى تاريخه، وخلاصتها أن شخصًا من تجار خان الخليلى تشاجر مع رجل خادم، فضربه ذلك الخادم وفر من أمامه، فتبعه هو وآخرون من أبناء جنسه، فدخل إلى بيت الشيخ عبدالرءوف السجينى، فدخل خلفه وضربه برصاصة فأصابت شخصًا من أقارب الشيخ يُسمى السيد أحمد، فمات وهرب الضارب، فطلبوه، فامتنع عليهم وتعصب معه أهل خطته وأبناء جنسه فاهتم الشيخ عبدالرءوف وجمع المشايخ والقاضى وحضر إليهـم جماعـة مـن أمراء الوجاقلية وانضم إليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق الناس فيها الأسواق والحوانيت، واعتصم أهل خان الخليلى بدائرتهم، وأحاط الناس بهم من كل جهة، وحضر أهل بولاق وأهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة أشخاص واستمرت الحال على ذلك أسبوعًا، ثم حضـر علـى بـك أيضًـا، وذلـك فـى بـادئ أمره قبل خروجه منفيًا، واجتمعوا بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوض القاضى بالغوغاء والعامة وانحط الأمر على الصلح وانفض الجمع ونودى فى صبحهـا بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكنت الحال‏.‏

وتدل هذه الحادثة على أن للشيخ منزلة مرموقة، وأنه غضب لغضبه مشايخ الأزهر، وجمهرة الشعب، حتى حضروا لنجدته من أطراف القاهرة، من حى بولاق ومصر القديمة، ومن المعروف أن الأمن لم يك مستتبًا فى ذلك العصر، ولعل للشيخ من كنيته «أبى الجود» نصيب، ومن المعروف أن الشعب كان يجل العلماء ويلوذ بهم فى الأزمات ويلبى نداءهم فى الشدائد.

تولى الشيخ السجينى مشيخة الأزهر سنة ١٧٦٧م، عقب وفاة الشيخ الحفنى، ولكنه انتقل إلى رحمة ربه فى العام التالى، وبعد أنْ تولَّى مشيخة الأزهر قادَها بحكمةٍ وشهامة، وسار فيه بقوَّة واقتدار، وقابَل الإهمال بصرامةٍ، وقد اشتهر ذكرُه قبل ولايتِه لمشيخة الأزهر؛ بسبب أحداث كثيرة، ذكر الجبرتى بعضًا منها، وهذا يدلُ على أنَّ للشيخ منزلةً مرموقة عند العامَّة والخاصَّة، وقد ذكرت المصادر التاريخيَّة، أنَّ مدَّة توليته المشيخة كانت قصيرةً لا تتجاوز السَّنة الواحدة، ومع ذلك فقد كانت له مكانةٌ فى نفوس كلِّ المصريين، حكَّامًا ومحكومين، وهناك عددٌ من المزايا التى أهَّلته لتبوُّؤ المكانة التى تفرَّد بها بين علماء عصره، ومنها أنَّ أباه محمد السجينى، كان أحد الصدور المحقِّقين، والوجوه المدقِّقين، وأنَّه كان يحبُّ العلماء ويسمع منهم، ولا جدال فى أنَّ الإمام «السجينى» قد استفاد من هذا الوالد واقتبس الكثير من معارفه.

ومن مَزايا الإمام السجينى أيضًا: أنَّه تتلمذَ على يد الإمام الشيخ محمد الحفنى، وهو أحد الأئمَّة الذين سبقوه إلى مشيخة الأزهر، والذين اعتلوا أريكتَه زمنًا طويلًا، تقريبًا ٤٥ عامًا، وكان الأزهر فى عهده محلَّ تقدير وتوقير، لا من العلماء والطلاب فحسب، بل من رجالات الحكم فى البلاد، وعلى رأسهم على بك الكبير، الذى أراد أنْ يُوجِّه حملةً حربيَّة إلى الوجه القبلى، وكان الشيخ أحد أعضاء حكومته؛ فرفض توجيه هذه الحملة، وأمام إصراره على وجهة نظره لم يجد على بك بُدًّا من النزول على رأيه، وعدم العودة إلى إرسال هذه الحملة مرَّةً أخرى، ولا شَكَّ أنَّ الإمام «السجينى» قد تأثَّر بالإمام «الحفنى»، ونسج على منواله فى كثيرٍ من الشئون الماليَّة؛ فقد ذكر «الجبرتى» أنَّه كان حازمًا فى مزاولة شئون منصبه، وقد سبق أنْ ذكر الشيخ «الحفنى» بأنَّه كان جوادًا كريمًا، لا ينقطع الناس عن زيارة بيته ليل نهار، ويبدو أنَّ الإمام «السجينى» قد كان ممَّن أخذوا عنه هذه السُّنَّة، وأنَّه ما سمِّى «بأبى الجود» إلا من أجل ذلك، ومع أنَّ المصادر لم تتحدَّث عن ثروته وقصر المدَّة التى قضاها على أريكة المشيخة، وقد صُرِفت أقلام المؤرِّخين عن الخوض فى سِيرته، واستقصاء المناقب الكثيرة التى يمتازُ بها على غيرِه.

بعد وفاة خاله الشيخ عبدالرءوف، ونتيجة التدخل الأجنبى فى شئون البلاد تحدثُ فترات ركود اقتصادى وثقافى وسياسى، ويحجمُ المؤرِّخون عن تدوين ما يحدثُ فى تلك الفترة، ويفضِّلون الكتابة عن الشخصيَّات المهمَّة، وعن الأدباء والعلماء، ليس إهمالًا، وإنما هو القهر والظلم والتكميم من المستعمِر.

توفى فى عام ١٧٦٨م، وصلَّى عليه جمعٌ غفير فى الجامع الأزهر من العلماء والأمراء والطلاب، ورجالات الدولة، ومشى الناس فى جنازته فى موكبٍ غفيرٍ رهيب، وبكاهُ البعيد والقريب، ودُفِنَ جسده بجوار عمِّه الشمس السجينى بأعلى البستان، وقد ورد ذكره فى كتاب الأزهر فى ١٠٠٠ عام للدكتور محمد عبدالمنعم خفاجى، والذى يعتبر موسوعة عن الأزهر، حيث قام بسرد نبذه تاريخية عن كل شيخ قام بتولى مشيخة الأزهر منذ ١٠٠٠ عام من إنشاء الجامع الأزهر.

ومن أحفاده المثال الراحل المبدع «جمال السجينى» ابن عبدالوهاب عبدالرءوف السجينى، ومن أحفاده أيضًا الفنانة القديرة «زينب السجينى».